عبد الحفيظ المنور
صحافي//////

“إن موضوع الفضاء العمومي هو الجمهور باعتباره حامل رأي عام ذي وظيفة نقدية”.

المقولة للألماني يورغن هابرماس في حديثه عن الفضاء العمومي كمجال لمناقشة المجتمع لكل ما يهمه من أمور مختلفة وكمجال لممارسة المواطنة والفعل السياسي الديمقراطي المبني على الحوار وتبادل الآراء، أستحضر هذا المفكر الموسوعة الألماني وأنا أتتبع الجمهور المغربي وتحركاته وهو الذي طبع في مناسبات عديدة على مواقف حركت مشهدا راكدا.

بعيدا عن الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب خلال 2011 وقريبا جدا من أحداث الساعة، ذلك أن قضايا عديدة طبعت فقط شهر يونيو الجاري وأصبحت تشغل الرأي العام وحركت النقاش العمومي (سهرة لوبيز على دوزيم، مثليا حسان، فيمن حسان وفتاتا إنزكان)، غير أن المنطلق كان أساسا من شبكة الانترنيت كفضاء عمومي حديث يجمع المبحرين في عالم افتراضي لا محدود رافض للضبط الزمكاني.

لم ينتظر الجمهور موعدا محددا لمناقشة هذه القضايا في القاعات ولا الساحات العمومية، بل بمجرد حدوث فعل من الأفعال المحركة للقضايا سابقة الذكر تبلور النقاش على النت الذي جمع الآراء في كتلتين: واحدة رافضة للحرية “الزائدة والمبالغ فيها” والانفتاح والاختلاف من المنظور الذي وضعته وهي التي بدأت برد الفعل، وكتلة أخرى تتبنى “قيم الحداثة” وترى المغرب بعيون مغايرة للكتلة الاولى.

خرجت المسيرات ونظمت الوقفات الاحتجاجية في الفضاء العمومي التقليدي، لكن ذلك كان فقط امتدادا لما بدأ على النت أو الشابكة أو حينما يتمدد هذا الفضاء ويتوزع بين المادي والافتراضي ويتماهى في نهاية المطاف.

لقد أفضى التعامل مع هذه القضايا إلى تشكل رأي عام مصاحب وآخر معارض وبينهما نشبت حرب ضروس ولا مجال فيها للإقناع ولا المنافسة حول من يربح الرهان.

تدخلت الدولة كضامن للأمن ومسؤولة عن نفاذ القانون وظفت بعض الوسائل لإطفاء الحريق في المهد بعدما أخدت كامل الوقت في معاينة ما يحدث، بل هناك من حملها مسؤولية افتعال هذه الأحداث لأسباب هي أعلم بها.

إن تتبع شريط الأحداث والمجريات في علاقتها بالفضاء العمومي ليكشف بجلاء هشاشة هذا الفضاء بسبب عوامل موضوعية ترتبط بتأثيرات حضور الدولة كفاعل أساس ومراقب لهذا الفضاء خاصة المادي، بالاضافة الى تدني التكوين على الفعل الجمعوي والنقابي “النضالي” ، وأخرى ذاتية تتحدد أساسا في ضعف مستوى التعبئة وتباين مستويات الجمهور الذي يحتل هذا الفضاء العام بالاضافة الى كون هذا الجمهور يتميز بذاكرة تنسى كل شيء عند أول اختبار، يبرهن عليها نقص ردود الفعل على النت، فأين هي التغريدات و”الستاطوهات” التي تريد رأس جينيفر ورأس القائمين على الاعلام العمومي وتريد إلباس لوبيز القفطان المغربي، وأين هي التدوينات التي تطالب بإسقاط الحكومة الملتحية …

إن الجمهور باعتباره حامل رأي عام ذي وظيفة نقدية وفي مناسبات عديدة بدا أقرب إلى الحشد من إلى الجمهور، تحركه الصور النمطية وتستهويه الأحكام الجاهزة، يتأثر بالاخبار غير الموثوقة أحيانا ويعشق الذهاب وراء الإشاعة، ذاكرته يمكن أن نموقعها صمن الذاكرات الهشة والمريضة بالنسيان.