كود : حميد زيد

من أجمل الرسائل التي قرأتها، رسالة كتبها الشاعر الفرنسي أنطونان أرتو بتاريخ 27 نونبر 1945 إلى أحد أصدقائه، متضمنة في أعماله الكاملة، يؤكد له فيها، وهو نزيل في مستشفى الأمراض العقلية أنه ليس مريضا، وأن كل ما يقع له، بما في ذلك احتجازه في ذلك المصح، كان نتيجة عدد لا يحصى من المؤامرات.

كتب أرتو رسالته إلى صديقه الذي كان يشرف على إحدى المجلات، وأراد فيها أن يوضح “لآخر الأصدقاء الذين قد أحصل عليهم في هذه الأرض، وهم آخر قرائي، أن يفهموا أني لم أكن أبدا مجنونا ولا مريضا، وأن احتجازي هو نتيجة مؤامرة فظيعة وخفية، شاركت فيها كل الطوائف المسيحية والكاثوليكية والمحمدية واليهودية والبوذية والبراهمانية والكهنة اللاما في معابدهم في الثيبت”.

وقد اكتشف أرتو أن وجوده في المستشفى يتعلق أساسا بقضية دينية وبتعزيم وسحر أسود وأبيض، وحتى الطبيب الذي كان يشرف على علاجه، والذي يعتبر صديقا له وعلى اطلاع على كل كتبه وتصوراته للشعر والمسرح، وقع هو الآخر ضحية السحر، بعد أن زارته سيدة بورجوازية كاثوليكية وتحدثت معه عن أرتو، رغم أنها لا تعرفه لا من قريب ولا من بعيد، ثم قامت بتنويمه وهو في مكتبه لمدة خمس دقائق، ليستيقظ، وقد غير موقفه منه، بعد أن سكنته هو الآخر الأرواح الشريرة، وصار يتعامل معه كطبيب معالج وليس كصديق على دراية بفلسفته الخاصة بتمديد المسرح في الواقع.

لم يترك أرتو دينا ولا طائفة إلا واعتبرها تتآمر عليه، وقد تعرض لمحاولات اغتيال، ونجا منها بأعجوبة، وقرر أن يسافر إلى بلدان بعيدة ليزيل ذلك السحر وليخنق تلك الأرواح التي تسكنه وتحاربه.

في المغرب أصبحنا جميعا مثل أرتو، وكل واحد منا يتحدث عن مؤامرة تحاك ضده، بما في ذلك الجمعيات والأحزاب وهؤلاء الذين يعيشون في الفيسبوك.

جمعية وتيارات سياسية ومثقفون يحذرورنا من مخطط للقضاء على العربية، وجريدة تنشر خبرا عن مختبرات تعد جرثومة وطاعونا للتخلص منا وقتلنا والحد من تكاثرنا، وهناك من يحذر من مؤامرة صهيونية، ومن يكشف عن مؤامرة علمانية، وأخرى فرونكفونية، وهناك من يتهم نبيل عيوش، وهناك من يشير بالأصبع إلى والده، وفي التاكسيات، وفي المقاهي، وفي الأسواق، لا حديث إلا عن دول وديانات وثقافات تتربص بنا.

ومثل أنطونان أرتو لا نترك طائفة ولا دينا ولا سحرا أسود إلا واتهمناه بالتآمر.

ومثله نحن مقتنعون أننا أسوياء ولا نعاني من أي مرض.

وقد كان أرتو حالة إبداعية فريدة، رفض كل شيء، ورفض كل التعاليم والمدارس والتوجهات والإملاءات والحدود، ولم يقبل أن يخضع حتى للسورياليين، وانتقد نظامهم واحتكارهم للثورة وتحويلها إلى نظام جديد، ولم يكن شعبا كما هو الحال بالنسبة إلينا.

كان فردا وشاعرا، وكان سلوكه يدل على أنه مريض.

ولم يكن يرى نفسه كذلك، وكان يرى المؤامرات في كل مكان.

ويرى أرواحا تسكنه ويحاربها، ومسلمين ويهودا ومسيحيين وبوذيين يتحالفون من أجل احتجازه في مستشفى الأمراض العقلية.

لكن، لمن نكتب نحن رسالتنا.

من هذا الصديق، الذي يمكن أن نتوجه إليه، ونقنعه، بما نتعرض له في المغرب.

ومن فينا السوي

ومن المجنون

من ينتبه إلى هذه الحالة التي ما تفتأ تتوسع وتنتشر في المجتمع.

ماذا نقول للعالم ومن يشفع لنا

ونحن لا نتوفر على موهبة أنطونان أرتو

ولا نشترك معه إلا في جنونه وفي تلك الأرواح الشريرة التي تسكنه وتنتقم منه.