الجو غيتقلب.. غيام وشتا رعدية فأقصى جنوب بلادنا ومتفرقة فمرتفعات الأطلس الكبير والصغير
حميد زيد – كود//
كم هو جميل شعار الديمقراطيةالمباشرة. لكنه يبقى مجرد شعار. وليس كل العالم هو سويسرا.
ومثل العسل كلمة الإرادة الشعبية.
وكذلك الاستفتاء.
بينما ومنذ أن صوت الشعب في إنجلترا لصالح البريكسيت. وهذه الدولة في أزمة.
وكلما اقترب الموعد. يكتشف الجميع أنه من المستحيل الخروج من أوربا.
ويحاولون العودة إلى الخلف. ولا يعرفون كيف.
ويفكرون في التراجع. معددين الخسائر التي تنتظرهم. وناظرين بخوف إلى الغد.
وإلى اقتصادهم المرتبط بأوربا.
وإلى العزلة التي تنتظرهم.
وحتى الذين أثروا على الشعب. مقنعين إياه. بأن الاتحاد الأوربي هو السبب. وأنهم وبمجرد الخروج منه. سينعمون بالرفاه. يبدون اليوم مترددين. باحثين عن مخرج من هذه الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها.
وكل هذا كان بسبب هذه الكلمة التي تسمى استفتاء.
وبسبب استشارة الشعب.
والحال أن الشعب بمقدوره ارتكاب كل الحماقات. خاصة في أوقات الأزمة. وفي الفترات التي يسود فيها الشك. وفقدان الثقة في السياسة وفي الأحزاب.
وكم من شعب قاد دولته إلى الهاوية.
وكم من شعب جاء بأعداء الديمقراطية إلى الحكم.
وها نحن نسمع كلمة الاستفتاء هذه تعود إلى فرنسا اليوم. مع موجة السترات الصفراء.
ويستحضرها اليمين المتطرف. ويلجأ إليها اليسار المتطرف. وكل الذين لا تخدم الديمقراطية التمثيلية مصالحهم.
والشعب في فرنسا لا يريد هذه الأيام الرئيس ماكرون المنتخب. ولا يريد الحكومة الحالية .ويرغب في أن يغير القوانين. ويرغب في كل شيء. ويرغب في أن يحكم نفسه بنفسه.
إذ يكفي تنظيم استفتاء وها هي كل المشاكل ستحل دفعة واحدة.
وبفضله ستمنح السلطة للمواطن.
ولأصحاب السترات الصفراء. وللشعبويين بكل تنويعاتهم.
بلا ممثلين. ولا وسائط. ولا نخبة فاسدة. وتابعة للشركات ولأصحاب المصالح. حسب ما يقولون.
لكن ورغم إيقاع كلمة الاستفتاء الجميل. ورغم الموسيقى التي تنبعث منها. ورغم الانطباع الذي يمنحه الاستفتاء باعتباره ذروة الديمقراطية. فإنه في الحقيقة يأتي ليقوض الديمقراطية نفسها.
وهدفه هو رفض نتائجها.
وعادة ما يروج له الخاسرون في الانتخابات. ومن لم يصوت لهم الشعب. فيخاطبون أهواءه. وغرائزه. ويستثمرون في الخوف الذي يشعر به. وفي انتمائه. وهويته. وشوفينيته.
فلا يكتشف الشعب الخداع الذي تعرض له إلا بعد فوات الأوان.
وبعد مدة على ظهور نتائج الاستفتاء.
غير قادر على الاعتراف بخطئه. ولا على العودة إلى ما قبل الاستفتاء. وإلى الوضع السابق.
بعد أن يكون الشعب قد طرد منتخبيه.
وطرد حكومته المنتخبة.
وألغى مؤسسات دولته. وقضى على اقتصاد بلاده. مغرقا الجميع في الفوضى.
وهذا بالضبط ما كان يريده الفوضويون.
وهذا ما ينادي به اليسار واليمين المتطرفين
ومنذ القديم وهم مع منح السلطة للشعب. ومع أن يحكم الشعب نفسه بنفسه.
وفي كل تجاربهم
وفي كل النماذج التي رفعت شعار الديمقراطية المباشرة
ولا صوت يعلو على صوت الشعب
كانت النتيجة هي ظهور الوحش الذي يستبد بكل السلط. ملغيا الشعب. وملغيا الديمقراطية. والانتخابات.
مع تحويل ذلك الشعار الجميل والحالم
إلى جهنم على الأرض.