الرئيسية > آراء > وقاحة أمريكا
30/10/2013 10:08 آراء

وقاحة أمريكا

وقاحة أمريكا

حين تفجرت فضيحة التجسس الأمريكي على قادة بعض دول العالم بمن فيهم الحلفاء، ابتداء من شهر ماي 2013، سجلت ردود فعل مختلفة لدى المتضررين الذين اعتبروا الفضيحة صادمة وفعل خيانة في حق أصدقاء الولايات المتحدة، ومن ثم كانت التعبيرات الاحتجاجية تتوزع رسميا بين طلب التوضيح واستدعاء السفراء للاستفسار والتشاور كما في حالات رؤساء فرنسا وألمانيا والبرازيل…فيما اعتبرت إدارة الأمن القومي ذلك مجرد خطأ في التقدير المستند على “معلومات مغلوطة وغير دقيقة”. فهل كان الأمر مجرد عثرة إدارة وتهويل إعلامي؟ أم أن ذلك يعود إلى مكون ثابت في بنية النظام الأمريكي الذي تقوم فكرته أساسا على اعتبار التجسس جزءا من نسق الدولة التي تحولت إلى من “أرض الأحلام” إلى “كابوس العالم”؟

إذا تأملنا مسار نشأة الولايات المتحدة الأمريكية منذ إعلان الاستقلال سنة 1776 بعد أن كانت مجرد مستعمرة بريطانية إلى أن أصبحت القطب الأساسي المتحكم في العالم، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة إثر انهيارالاتحاد السوفياتي، فسنجد أن مسار النشأة والتطور كان دائما هو مسار الفضائح التي تؤشر على فساد النظام، باعتباره تمثلا لبنية الرأسمالية المتوحشة، القائمة أساسا على جشع الرأسمال الذي بلا أخلاق، وعلى تسيب الامتداد الامبريالي الذي يرى العالم مجرد سوق كبير. وما يثير الاستغراب بهذا الخصوص هو أن الأمر لا يتعلق بنظام يراكم الأخطاء ليتجاوزها، بل على العكس من ذلك، إنه يراكم الأخطاء الفاحشة ليجعلها الثابت الجوهري، سواء في ما يتعلق بطبيعة العلاقات الداخلية بين مكونات المجتمع، أو ما يتعلق بطبيعة العلاقات الدولية.

بهذا المعنى يتبين أن قنبلة التجسس على هواتف رؤساء العالم كما نشرت بعض وقائعها ” تباعا صحف “الغارديان” و”الواشنطن بوست” و”لومند” و”إلموندو” استنادا إلى المعطيات التي سربها إدوارد سنودان، موظف وكالة الأمن القومي، هي نقطة في مسار بدأ منذ زمن بعيد. وإذا اكتفينا بنماذج من هذا السلوك الفاسد كما حدثت في التاريخ القريب، فإن قنبلة المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناكازاكي بالسلاح الذري، في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، تعد من النقط السوداء الأولى في علاقتها بالعالم، بحيث لم تتردد في استعمال أكبر أسلحة الدمار الشامل في وجه المدينتين التي رفضتا الاستسلام إثر نهاية الحرب العالمية الثانية.

لاشيء يهم القادة الأمريكيين أكثر من نشوة الانتصار على البشرية، وعلى منظومة القيم الكونية التي تدعي أنها بنت استقلالها على أساسها، وتبني مجدها عليه اليوم لأن لاشيء يهم الرأسمال أكثر من التوسع، ضدا على كل القيم.
بعد عقد من الزمن ستندلع حرب الفيتنام بين الشمال والجنوب في الفترة ما بين 1956 و1975. السلوك الأمريكي يستجيب فقط إلى نداء الحرب الباردة. لايهم ما ستخسره البلاد من أرواح بشرية دعيت إلى الموت على أرض ليست أرضها، ومن أجل قضية ليست قضيتها. ما كان يهمها أساسا هو تغذية “الآلة الجهنمية” التي انتهت بتوافقات الحرب الباردة، دون أن تلتئم جراح الحرب، إلى اليوم، في متخيل الأمريكيين الذين اكتشفوا، بوعي شقي، أنهم انقادوا إلى جحيم هم أول ضحاياه.

في نفس السياق، وعلى إيقاع طبول حرب الفيتنام، تبدو فضيحة واترغيت من أقوى اللحظات الأخرى التي هزت أركان الدولة الأمريكية في بداية السبعينات من القرن الماضي، حين فجرت “الواشنطن بوست” في يونيو من سنة 1972، فضيحة تجسس الرئيس الأمريكي على الحزب الديمقراطي من أجل التحكم في نتائج الانتخابات الأمريكية، وضمان استحقاق الولاية الرئاسية الثانية. وحين تم تسجيل تورط ريتشارد نيكسون شخصيا في الفضيحة كان عليه أن يستقيل تجنبا للإدانة، وقد استقال فعلا سنة 1974 ليعوضه نائبه جيرالد فورد الذي استعمل اختصاصاته الدستورية فأصدر قرار العفو عن رئيسه.

يتنامى خط فساد القيم والأنساق، ومن خلاله يتسرطن الكيان الأمريكي بشكل وقح لنجده، في الوقائع المتلاحقة، يثبت انتماءه للجذر المشترك مهما تغير اسم الحزب الحاكم، أو أسماء الرؤساء. تماما كما حدث مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي في عهد بوش الابن الذي عرض أمام مجلس الأمن، في فبراير 2003، سيناريوها وهميا لامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، أو كما حدث بعد تفجير فضيحة تعذيب الجنود الأمريكيين لسجناء سجن بوغريب بالعراق، أو لمعتقلي غوانتنامو، أو كما يحدث مع الشعب الفلسطيني منذ نكسة 1948، بحيث اختارت الإدارة الأمريكية، منذ البدء، الوقوف مع المشروع الأمريكي ضدا على كل النداءات المستندة على كل ما يؤسس لما يعتبر شرعية دولية تقوم أساسا على احترام المقررات والمواثيق  التي يتواضع عليها العالم مبدئيا، وضمنها أساسا تلك التي أصدرها المنتظم الدولي نفسه.

وبعد، هل يصدق أحد فعلا أن ما نشر بخصوص ملف التجسس الأمريكي الجديد هو مجرد خطأ عابر في ملف علاقة الأمريكيين بالعالم، أم أن الأمر يتعلق باستمرارية الخطأ البنيوي؟ وهل فوجئ حقا قادة فرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها بالصدمة، أم أنهم يدركون جوهر المؤسسة الأمريكية، وبالتالي يعتبرون أن الذي هزمهم في هذه النازلة ليست الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها التكنولوجيا تحديدا، بحيث بدوا عاجزين عن مقاومة الجشع الإلكتروني الأمريكي، المعادل الموضوعي لنزوع الاستحواذ وحكم العالم بأدوات وأسلحة جيل جديد من الحروب.

افتتاحية العدد 538
الخميس 31 أكتوبر2013
تنشره “كود” باتفاق مع “كود”

موضوعات أخرى

26/04/2024 22:41

الركراكي: هاد الساعة مركز مع المنتخب وباغي ندرب فأوروبا وإذا ما كتابش غانمشي للسعودية

26/04/2024 22:24

تفاصيل حصرية على القرارات التأديبية اللي صدرات فحق مدير ثانوية “التقدم” فمولاي يعقوب اللي حصل كيتحرش بتلميذة

26/04/2024 22:00

بارون مخدرات عندو الجنسية البلجيكية شدوه بوليس الصبليون قبل ما يهرب للمغرب فعبارة

26/04/2024 21:58

مؤتمر الاستقلال.. الصراع على رئاسة المؤتمر بين قيوح والقادري كتهدد بحرب بين تيار ولد الرشيد وتيار فاس