27/04/2024 14:22
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كيوجد رأي على الاقتصاد الدائري لمعالجة نفايات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية ورأي على آليات المشاركة المواطنة
حميد زيد – كود//
كثيرة. كثيرة جدا هذه القاعات السينمائية التي افتتحها وزير الثقافة.
وقد أعلن المهدي بنسعيد عن إطلاق الشطر الأول بانطلاق العرض في 50 قاعة.
وبعدها سيأتي الدور على 100 قاعة أخرى.
وقد يكون العدد أكبر.
وقد يصل المهدي بنسعيد إلى 200 قاعة.
لكنها. ويا للغرابة. لا ترى بالعين المجردة. ولا أحد من المغاربة انتبه لحد الساعة إلى وجودها.
و رغم أن مشاهدة الأفلام فيها غير مكلف. مقارنة بالسينمات التابعة للخواص. فلا إقبال عليها. ولا زحمة. ولا ضجة. ولا حديث عنها. ولا طوابير. ولا أحد سمع عنها.
ولا أحدد كتب عنها.
ورغم أن الوزير افتتحها في حفل بهيج. حضره أهل الفن. والصحافة.
فهذه القاعات متخفية. وربما جهة ضد الثقافة تحجبها عن الأنظار.
لكنها كثيرة.
كثيرة جدا قاعات المهدي بنسعيد السينمائية.
ومن شدة كثرتها يصعب الوصول إليها.
وقد أصر الوزير أن لا تخلو مدينة صغيرة منها. ولا حي شعبي. ولا قرية. ولا دار شباب.
وأينما وليت وجهك تجد سينما. وبالقرب منها قاعة ألعاب فيديو.
وفي البيت. وفي الزقاق. وفي الدرب. وفي السطح. وفي الجبل. وفي الصحراء. وفي السهل. قرر المهدي بنسعيد أن يفتتح قاعات سينمائية.
وقد تكون عابرا في الطريق فتتعثر في قاعة سينمائية. وتظهر خدوش و رضوض في ركبتيك.
وقد تكون في تجمع خطابي لتكتشف أنك في قاعة سينمائية.
وما يميزها أنها قاعات سينمائية لكنها ليست قاعات سينمائية.
وموجودة وغير موجودة.
وتشبه السينما لكنها ليست سينما.
و بينما معظم القاعات السينمائية الحقيقية مغلقة. و مهجورة. و مخربة. ومهملة. فقد جاءت قاعات المهدي بنسعيد لتلعب دورها. و لتعوضها. و لتعلن موت القاعات السينمائية التي تستحق اسمها.
وهي كثيرة. كثيرة جدا قاعات وزير الثقافة.
و خمسون منها جاهزة. وشغالة.
والمائة المتبقية. تنتظر وصول أجهزة العرض من الصين.
وستصبح بدورها جاهزة. وفيها عروض سينمائية. وفيها فرجة. وأكشن. وحب. ودراما. ورعب.
إلا أن الوفرة في السينما. تعيق الرؤية. وتحول دون إشادتنا بما يقوم به هذا الوزير الشاب المبتكر.
الذي صنع لنا سيارة مغربية خالصة. و من لا شيء.
وها هو اليوم يغرق المغرب بالقاعات السينمائية وألعاب الفيديو.
ومن لا شيء أيضا.
وليصبح المغرب من الدول التي تتوفر على أكبر عدد من القاعات السينمائية.
بعد أن كانت نادرة
محققا للمتفرج المغربي تخمة المشاهدة. وما عليه إلا أن يعثر عليها.
هذا هو المجهود الوحيد الذي عليه القيام بها.
لكن أينها.
وقد تكون قاعة سينما المهدي بنسعيد لصق المحلبة. أو البقال.
أو بالقرب من العطار. أو في الحمام
وقد تكون في الزقاق الخلفي.
وقد تكون قريبة منك. وقرب شقتكم. لكن القريب منك بعيد. كما تقول نجاة الصغيرة.
والحال أن المغربي تعود أن تكون السينما دائما بعيدة عنه.
ويذهب إليها في التاكسي. وفي الحافلة. وفي السيارة. ويتعطر. ويضرب فيها موعدا. ويحب.
و ربما لهذا السبب لم تظهر بعد قاعات وزير الثقافة.
وبسبب قربها على الأرجح.
بينما السينيفيل يفضل المسافة الطويلة والبعد. ولا يرغب في أن تكون السينما متاحة. و لا يحب أن يذهب إليها بملابس النوم. غير مضطر لاستعمال أي وسيلة نقل.
و يرفض أن يقول أنا نازل إلى السينما تحت وسأعود.
ويرفض أن يسمع الشاب الذاهب إلى سينما المهدي بنسعيد أن تقول له والدته”جيب معاك الخبز أ عاديييل”.
لكنها كثيرة. كثيرة جدا. قاعات الوزير.
وهناك تعتيم عليها.
وهناك أعداء للنجاح يرفضون الإشادة بما قام به وزير الثقافة في ظرف وجيز.
وفي غياب الإمكانيات.
استطاع المهدي بنسعيد. وبمجهود فردي. أن يفتتح قاعات أكثر من تلك التي خلفها الاستعمار.
وأكثر من تلك الموجودة في المغرب. المفتوحة منها والمغلقة.
ويكفي أن يجد قاعة.
فيجهزها وزير الثقافة بجهاز عرض.
وقد كانت لنا نحن الأطفال في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي سينما صغيرة. كنا نسميها سينما الحج. وفيها تمر الصور. ويمر شريط. وأحداث. وطبيعة خلابة.
وربما هي نفس فكرة المهدي بنسعيد. بعد أن أضاف إلى كاميرا الحج. القاعات التابعة لدور الشباب. وللمراكز الثقافية.
وربما هو نفس الأمر الذي كنا نقوم به نحن التلاميذ في الثانوية. حين ننظم أسبوعا ثقافيا.
فنأتي بجهاز فيديو أو بروجيكتور. ونعرض فيه فيلم عمر المختار على الحائط. ونتفرج فيه في قاعة الأنشطة.
وفي اليوم الثاني نشاهد فيه شريط المناظرة بين أحمد ديدات والقس المسيحي.
وها نحن قد حصلنا على سينما.
ولو حسبنا عدد القاعات التي افتتحناها. ونحن صغار. في دور الشباب. وفي المخيمات. وفي عين خرزوزة. وفي إيموزار كندر. وفي الأسبوع الثقافي لثانوية البارودي. وفي الجمعيات. وفي حركة الطفولة الشعبية. وفي مقر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
لتفوقنا على وزير الثقافة.
لكننا للأسف لم نكن نعلن عنها. ولم تكن لنا مشاريع في تلك الفترة.
ولم نكن نرغب في بناء أي شيء.
ولم نكن مستعدين لمساعدة المخزن. وتقديم خدمة مجانية للنظام الرجعي. وانتشاله من مستنقع البؤس الثقافي الذي كان غارقا فيه.
وكانت الأفلام التي نتوفر عليها قليلة. قليلة جدا. على عكس وفرتها اليوم.
كما كان الجمهور التلاميذي ينفر من عرضنا المستمر لشريط الحدود لدريد لحام.
و يذهب إلى السينما الحقيقية.
لمشاهدة ترينيتا “الغليظ” وصديقه النحيف. وبروسلي. وأبي فوق الشجرة. الذي ظلت القاعات تعرضه. إلى أن اختفت منه كل القبل. ولم تنج من كثرة استهلاكه سوى الشماسي.
وما يؤسف في مغرب اليوم هو غياب ثقافة الاعتراف.
فالقاعات السينمائية الآن موجودة. وبكثرة
وقريبا ستصل إلى مائتي قاعة. وبالقرب منك. ومن منزلك.
لكن المغربي يتظاهر بأنه لا يراها. ويشتكي من غياب القاعات.
ومن غياب الفن. والترفيه. مع أن وزير الثقافة وفر لنا كل شيء.
وصنع لنا سيارة.
كي نركبها ونذهب إلى السينما.
ونلعب ألعاب الفيديو في ميتا-مغرب. لا يظهر بالعين المجردة.
وتظهر لك فيه السينما. لكنها ليست سينما.
وترى فيه قاعات كثيرة وعندما تدخل إليها لا تجد أي شيء.
في واقع معزز.
صنعه الوزير الشاب من لا شيء. ضامنا للمغرب. موقعا في المستقبل.
وفي عالم جديد يتشكل.
عالم موجود هو الآخر. وفيه وفرة. وعندما تدقق فيه تكتشف أنه غير موجود.
ولا تدري هل أنت بداخله أم خارجه
ولا تدري هل أنت في السينما أم خارجها. وهل أنت هو أنت. أم آخر.
وتبحث عنك في كل مكان
ولا تعثر عليك
تماما مثل قاعات المهدي بنسعيد.
