أوندري كونت سبونفيل – فيلسوف فرنسي //
أثارت فرديريك فيدال وزيرة التعليم العالي موجة سخط كبيرة: فقد تجرأت وطلبت من المركز الوطني للبحث العلمي أن ينجز دراسة حول ما أسمته “الإسلاموية اليساروية” التي “تنخر” الجامعة.
أوندري كونت سبونفيل – فيلسوف فرنسي //
أثارت فرديريك فيدال وزيرة التعليم العالي موجة سخط كبيرة: فقد تجرأت وطلبت من المركز الوطني للبحث العلمي أن ينجز دراسة حول ما أسمته “الإسلاموية اليساروية” التي “تنخر” الجامعة.
لنتمن حظا سعيدا للذين سيأخذون على عاتقهم مهمة القيام بهذا العمل، راجين أن يأخذوا المسافة الضرورية مما هم مقبلون على البحث فيه.
بماذا يتعلق الأمر؟
ليس بالإسلام واليساروية فحسب، ولا بمفارقة التقارب عند البعض بين الاثنين.
أصل المشكل في العمق هو أساسا هذا الفكر الذي أصبح يطلق عليه الفكر “الديكولونيالي”، الذي يعني هذه الفكرة الآخذة في الانتشار، والتي مفادها أن الاستعمار، وحتى بعد زواله، فإنه مازال حاضرا في العقول، وفي علاقات الهيمنة(السياسية والاقتصادية والثقافية)، التي ما فتىء يتمتع بها المستعمرون السابقون.
يتضمن ذلك نصيبا لا غبار عليه من الصحة، فالبلدان التي كانت عبارة عن قوى استعمارية، مازالت بشكل طبيعي أكثر ثراء وقوة من مستعمراتها القديمة.
كما أنه من السهل النجاح أو الحصول على منصب سلطة، بما في ذلك في فرنسا، حينما تكون أبيض، مقارنة بما إذا كنت أسود أو عربيا.
و كذلك حينما تكون مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا، مقارنة بما إذا كنت مسلما.
حيث هنا يكمن المشكل، وذلك عندما يتم اختزال هذه الهويات، سواء كانت إثنية أو دينية، إلى حد اعتبار كل من هو أبيض أو غربي، ولأنه كذلك، فهو مذنب، وهو ما ينتج عنه سجن كل الآخرين-المسيطر عليهم- في تلك الوضعية المريحة والخادعة، باعتبارهم “ضحايا”.
وكنتيجة لذلك فإن الدولة والمجتمع الفرنسيين هما «عنصريان بشكل بنيوي”، وبالتالي يجب مواجهتهما وقلبهما.
أما أولئك الذين يدعون العكس-في إطار مثالية جمهورية- فهم ليسوا في الحقيقة إلا عنصريين يجهلون أنهم كذلك، ومصابين برهاب الإسلام، وهم على وعي بذلك.
وهو ما يؤدي، ويا للمفارقة، إلى التمييز العنصري بين الأعراق والأجناس وإلى فرض الفصل المجتمعي الطائفي على النقاش الدائر، بمبرر مناهضة العنصرية.
إن ما يثير القلق بالأساس في الجامعة، هو تحول صراع الطبقات كي يصبح صراع أعراق أو طوائف.
أما الأستاذة الجامعيون الذين مازالوا متشبثين بخطاب كوني إنساني -مرتبط بالأنوار- فإنهم صاروا أكثر فأكثر عرضة للإدانة من طرف”الديكولونيانيين”، باعتبارهم متواطئين مع النظام الرأسمالي والعنصري والإمبريالي، إلى حد أصبحت معه أحيانا حرية التعبير والتدريس مهددة من طرفهم، حيث تم منع عروض فرجوية وندوات، كما تم التشويش على بعض المحاضرات.
لقد احتج ثمانون مثقفا (من بينهم إليزابيث بادينتر ومونا أوزوف وألان فانكلكروت “على صفحات مجلة “لوبوان” وحوالي مائة آخرون (من بينهم لوك فيري ومارسيل كوشي وبيير نورا) على صفحات”لوموند”، لأسباب أراها وجيهة من وجهة نظري، وذلك ضد هذه الضغوط غير المحتملة، وهو ما أدى إلى تعرضهم بدورهم للإدانة، باعتبارهم متواطئين، عن قصد أو دونه، في تكريس الهيمنة البيضاء الرأسمالية أوالغربية.
ليأتي بعد ذلك 600 أستاذ جامعي (من بينهم توماس بيكيتي ودومينيك ميدا)، مطالبين باستقالة الوزيرة، وهو ما يبرز الدرجة التي بلغتها حدة التوتر حول هذا الموضوع، والحاجة الملحة إلى ضبط النفس!
فاستعمال العقل في التفكير ليس يساريا ولا يمينيا، كما أنه ليس مسلما ولا مسيحيا ولا ملحدا، والحال أن توظيف ملكة العقل هذه في الجامعة، هي التي في أمس الحاجة إلى عملية إنقاذ، أكثر من أي شيء آخر.
إذ لا يشكل البعد الكوني مجرد جزء من الفكر، بل هو الفكر نفسه باعتباره حرا.