الرئيسية > آراء > سجـال مفيـد
02/07/2015 22:36 آراء

سجـال مفيـد

سجـال مفيـد

محمد الساسي ==

عرفت بلادنا، مؤخراً، سجالاً مهماً حول موضوع الإجهاض. و إذا كان هذا السجال لم ينته بعد، فإن ذلك لا يمنع من الخروج ببعض الملاحظات والاستنتاجات الأولية حوله.
لم نر أحداً يطالب بالإباحة المطلقة للإجهاض، بالمعنى الذي يعني حذف الإشارة إلى الموضوع في قوانين البلد؛ فحتى الدول التي أقرت، من حيث المبدأ، إباحة الإجهاض، فلسفياً، عمدت، في تشريعاتها، إلى تنظيم ممارسته؛ وفي هذا التنظيم، يحضر، طبعاً، التقييد وتحضر الشروط. وفي العادة، تتولى القوانين، في هذه الدول، التنصيص على إباحة الإجهاض، بقرار من المرأة، خلال الـ 12 أسبوعاً الأولى من الحمل، وعلى عدم السماح به، إلا في حالات استثنائية ووفق شروط خاصة، بعد مرور 12 أسبوعاً.
وكما حصل، في البلدان الأخرى، فإن النقاش كان مناسبة تَوَاجَهَ فيها شعار (الحق في الحياة) مع شعار (حرية التصرف في الجسد). في الصف الحداثي أو العلماني، دافع الأستاذ عبد الصمد الديالمي، كعادته، ببراعة واقتدار، عن كون “الحمل ليس حتمية تفرض على المرأة بشكل لاإرادي”. وأقصى ما طالبت به المنظمات النسائية المغربية هو أن تُمنح جميع النساء البالغات، خلال الـ3 أشهر الأولى من الحمل، حق إجراء إجهاض إرادي بأسعار في المتناول، على أن يخضع أي إجهاض يجري، بعد مضي الـ 3 أشهر، إلى ترخيص من لجان طبية تحسم في مدى وجود حالة خاصة تبرر اللجوء إلى الإجهاض، مع تكثيف برامج التوعية والتربية والتحسيس الهادفة إلى التقليل من حالات الحمل غير المرغوب فيه.الأستاذة نزهة الصقلي طالبت بتوسيع الحالات المسموح فيها بالإجهاض لتشمل حالة حمل الفتيات”المغرربهن” واللواتي كن ضحايا الخداع في إطار علاقات عاطفية. الأستاذ طيب محمد عمر اقترح صياغة جديدة لفصول القانون الجنائي، ذات العلاقة بموضوع الإجهاض، في إطار معالجة بعض العيوب الواردة في تلك الفصول،والتأكيد على أن المقصود بالصحة هو “صحة المرأة الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية”.
وسجل الحداثيون المرونة التي عالجت بها المذاهب الإسلامية، وخاصة الحنفية، قضية الإجهاض، وتمييزها بين المراحل الثلاث (قبض الرحم للمني أو ما قبل التخلق– التخلق – نفخ الروح) وتعدد الاعتبارات التي سمحت فيها بإسقاط الحمل، قبل نفخ الروح، واستحضروا الظروف الاجتماعية القاهرة التي تفرض مراجعة النصوص وقدموا أرقاماً صادمة عن المآسي التي يتسبب فيها عدم مراعاة القانون لتطورات الواقع.
الصف المحافظ شكك في مصداقية الأرقام المقدمة واعتبرها لعبة للتمويه وأعفى نفسه من مهمة البحث عن حلول واقعية لبعض الحالات التي يمثل فيها استمرار الحمل، من الناحية الاجتماعية، خطراً على حياة المرأة أو سلامتها أو مستقبلها، وأفتى بأن عليها أن “تتحمل مسؤوليتها” متى وُجدت في مثل هذه الحالات !
ومَثَّلَ الأستاذ مصطفى بنحمزة الموقف المحافظ، الأكثر تطرفاً، وأعلن رفضه اللجوء إلى الإجهاض بصورة مطلقة، بل حتى في حالات زنا المحارم والاغتصاب والتشوه الخِلقي للجنين، بناء على أن هذا الأخير لا ذنب له في كل ما وقع. حسب هذا المنطق، يجب إبقاء ما كان على ما كان وعدم إدخال أي تعديل جديد على النص، بل، ربما، حذف التعديل الذي وقع في 1967. وجنحفريق من المحافظين، بسرعة مثيرة وبدون مقدمات، إلى إساءة مخاطبة المخالفين له في الرأي وإطلاق أشنع النعوت عليهم. من المحتمل، في نظرنا، أن يكون الأستاذ أحمد الريسونيقد أهدر جزءاً كبيراً من رصيد الاحترام الذي يحظى به، لدى عدد من العلمانيين، حين قال، ساخراً : “من الحالات التي يُعتبر الإجهاض فيها مُسْتَحَقا، حالات بعض الأجنة الذين سيصبحون من المطالبين بحرية الإجهاض ومن المشجعين عليه، فهؤلاء، في نظري، يستحقون أن يُستجاب لطلبهم مسبقا وتُجرى لهم عمليات الإجهاض، ليستريحوا ويُستراح منهم. وإجهاضهم أهون من أن يبقوا حتى يتسببوا في إجهاض غيرهم من الأبرياء، ولكن للأسف الشديد، مازال التقدم الطبي لحد الآن لا يمكننا من معرفتهم قبل الولادة، فلعل وعسى…”.ما أبشع أن يتمنى شخص ما الموت لأصحاب الرأي المخالف، وما أخطر أن يمسك هذا الشخص، غداً، بأدوات السلطة والإكراه ! وباستثناء الدكتور سعد الدين العثماني، الذي اقترح منذ عدة سنوات السماح بالإجهاض في حالات عَدَّدها بتفصيل (زنا المحارم – الاغتصاب – التشوه الخِلقي للجنين – المرض العقلي للأم)، فإن أغلب المحسوبين على الصف المحافظ تجنب الخوض في التفاصيل واكتفى بتقديم ما يعتبره مبدأ عاماً دون عرض كيفية تطبيقه على الحالات، ومع ذلك ترك الباب مواربا أمام إمكان توسيع مجال الحالات الاستثنائية المسموح فيها بالإجهاض. الشيخ محمد الفيزازي يرى أن هذا التوسيع ممكن ومتوافق مع الشرع، قبل نفخ الروح، لكن الإجهاض حالات، وكل حالة تختلف عن الأخرى، ويتعين على المفتي أن يصدر فتواه بصدد كل حالة على حدة.
الأستاذ عبد العالي حامي الدين دعا إلى مراعاة التطورات الجارية في المجتمع، ولكن في إطار الالتزام بتعاليم الشرع، ورأى أن هناك حالات يمكن أن تصبح منسجمة مع القانون وحالات تمثل اعتداء على النفس البشرية. حركة التوحيد والإصلاح سارت في نفس الاتجاه، فاعترفت بأن هناك حالات تستدعي الاستثناء، ولكن على أساس أن يظل المقصد الشرعي، في حفظ النفس، والمبدأ الدستوري، المتعلق بالحق في الحياة، هما الأصل. وهكذا يُلاحظ أن الحركة وحزب العدالة والتنمية تفاديا استعمال لغة نارية في مواجهة الصف الحداثي وأحجما، رسمياً، عن إصدار الاتهامات التي تُوَجَّهُ، في مثل هذه المناسبات، إلى هذا الصف. وبقي إصدار الاتهامات محصوراً في أفراد يتحركون على هامش الحركة والحزب أو فيبعض الأوساط السلفية أو الاستقلالية. هل تُعزى روح التبصر التي مهرت سلوك أجهزة الحركة إلى سرعة تدخل الملك في الملف، أم إلى طبيعة شخص الأمين العام الجديد للحركة، أم إلى وجود حزب العدالة والتنمية في الحكومة وتحالفه مع العلمانيين، أم إلى كون الدكتور سعد الدين العثماني كان من السباقين إلى طرح ضرورة تعديل النصوص المتعلقة بالإجهاض، في القانون الجنائي المغربي؟
وعلى العموم، كان النقاش حول الإجهاض مناسبة، أيضاً، لتطارح مسألة تأويل الفصل 41 من الدستور وتعيين دور الملك كأمير للمؤمنين، فهناك من اعتبر، مثلاً، أن تدخل الملك يجب أن ينهي النقاش، في الموضوع، رغم أن هذا التدخل دعا إلى إعمال مسطرة التشاور مع الجهات التي يعنيها الموضوع، ومن اعتبر أن اهتمام الأحزاب بقضية الإجهاض كان على حساب مهامها السياسية الأصلية (الأستاذ عبد المالك أحزرير). لقد ظهر رأي يقول إن مثل هذه القضايا، ذات البعد الديني، يجب أن يختص بالبت فيها المجلس العلمي الأعلى، دون سواه، وهذا يثير التساؤل حول دور المؤسسات المنتخبة. ونفس الجهات المحافظة التي تُطالب بأن تكون الكلمة الأخيرة، في قضية مثل الإجهاض، للمؤسسة الدينية وللعلماء، تتحدى خصومها أن يقبلوا استفتاء الشعب، مباشرة، في الأمر، دون أن تعي بأنها تسقط في تناقض منهجي.
وإذا كان المحافظون يعتبرون أن أية إباحة للإجهاض هي خرق للدستور الذي ينص على الحق في الحياة، فإن الحداثيين يعتبرون أن الإبقاء على عقوبة الإعدام هو خرق للحق، ذاته. لا يمكن أن يخضع تأويل النصوص الدستورية لهذا النوع من التبسيطية. هناك، في العالم، دساتير تنص على الحق في الحياة، ومع ذلك تبيح الإجهاض أو تبقي على عقوبة الإعدام.
ولوحظ أن البعض طالب، أحياناً، باعتماد مقتضى موجود، أصلاً، في النص المغربي الحالي (جواز الإجهاض إذا استدعته ضرورة المحافظة على صحة الأم)، وهو المقتضى الذي أُدخِل سنة 1967 و الذي فات الكثيرين ربطه ببرامج التنظيم العائلي التي تبناها المغرب، آنذاك، مثلما فاتهم ربط التشدد الذي انتهجته فرنسا، سابقا، في تجريم و محاربة الإجهاض، بظروف الحرب العالمية.
وككل السجالات التي يعرفها مجتمعنا، بدا أن كل طرف يستند إلى أية حجة، كيفما كانت، للرد على صاحب الرأي المخالف، حتى ولو تناقضت مع منطلقاته الأصلية أو كانت ضعيفة السند. البعضقال إن الذين أثاروا النقاش حول الإجهاض يخدمون أجندة أجنبية (فهل ينطبق ذلك على سعد الدين العثماني؟) أو أنهم يخدمون لوبي تجارة الإجهاض (بينما الأستاذ الشرايبي يطالب بأن تختص المستشفيات العمومية وحدهابإجراء عمليات الإجهاض مع إمكان الإذن للمصحات بذلك بقرار من لجان مختصة).
ومع ذلك، كان السجال مفيداً لأنه مكننا من أن نتقدم، قليلاً، على طريق مكاشفة ومصارحة الذات بحقيقة ما يجري في مجتمعنا والإفصاح عن جزء من المسكوت عنه.

جريدة “المساء”
30 أبريل 2015
العدد 2670 الصفحة 09

موضوعات أخرى

27/04/2024 01:00

ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير

26/04/2024 22:41

الركراكي: هاد الساعة مركز مع المنتخب وباغي ندرب فأوروبا وإذا ما كتابش غانمشي للسعودية

26/04/2024 22:24

تفاصيل حصرية على القرارات التأديبية اللي صدرات فحق مدير ثانوية “التقدم” فمولاي يعقوب اللي حصل كيتحرش بتلميذة