لم يعد للحب قيمة في قلوب الشعب إلا مراد الذي إختار يوما لينافس القديس فالنتاين ويجهر بحبه قبل إنتحاره، ولم يعد الشعب يؤمن بالحب كما يؤمن به مجنون خديجة والسجائر.
وقبل مراد كان هناك سياسيون هددوا بالانتحار أيضا، وهددوا بقتل أنفسهم بسبب الحب، واقسموا بأغلظ الايمان أنهم سينتحرون حبا في الاستوزار كما قال توفيق بوعشرين ذات إفتتاحية.
والآن لنتخيل لشكر يرتقي لاقطا هوائيا، وبرشاقة لا توحي بها كرشه يرتفع في الهواء ويقوم بحركات بهلوانية، ويعلن حبه على الملأ ويخطب ود محبوبته ويرفض النزول عن اللاقط الهوائي ويحضر إلياس العماري ويستجديه أن ينزل ويعود إلى زوجته المعارضة، التي تحبه ولا تبغي له فراقا، لكنه يأبى ويصرخ بإسم محبوبته، ويفشل اليساريون في إقناعه بعدما فشلوا سابقا في إقناعه أن الكرش لا تتناسب مع عقيدة اليسار.
ليس هناك أكثر ذكاء من شباط، هو متزوج من الاثنان، وبدون موافقة الاغلبية عقد قرانه على المعارضة وأعلن الامر ثم ما فتئ أن إشتاق لأحضان الاغلبية، لكنه لا يهدد بالانتحار هو رجل شرقي لا يؤمن بأن الرجل يجب أن تزول رجولته في سيل حبه، وككل الرجال ذوو الطبع الشرقي فإنه لعوب، ومثله من يحب الادباء أن يخلدوا ذكرهم وذكر ألاعيبهم في الهوى والعشق الذي لا حدود له.
ماذا فعل المسكين مراد ليلقى كل هذه السخرية، أين الشهامة والرحمة برجل يرتقي لاقطا هوائيا ويهيم حبا ويرسله عبر الاثير لمحبوبته مطالبا حضورها، ويلهث الامن بحثا عن خديجة، وينتظر الباباراتزي حضورها ليلتقطوا صورة لها من أجل إكتمال الرواية، وتقف حشود الجماهير مطبلة لما يقوم به مراد وخلفهم حشود من الفايسبوكيين تنتظر الانقضاض على مراد وخديجة بمجرد حضورها، ولا أحد أولى إهتماما لمحبوبة نبيل بنعبد الله التي فضل أن يغير مبادئه ومبادئ حزبه من أجلها، وقرر أن يكون يساريا بلحية وهمية، أي جحود هذا لقصة حب أزلية، كيف إستطاع مراد أن يسلب المغاربة لبهم في لحظة في حين لم يستطع زعماؤنا أن يجعلوا قصص حبهم عفيفة تستأثر بإهتمام الشعب وتجعل المغاربة يتابعون قصة حب لا تنتهي أبدا، دلع وغضب ونفور وحب ووله ومجون.
إنظروا إلى قصة حب بنكيران ومزوار،تفصحوها جيدا، قلبوا صفحاتها وعودوا سنوات إلى وراء، إلى بداية الحب، كل واحد فيهما يتغنج بالآخر بشغف، وكما يقول إخواننا المصريين “ما محبة إلا بعد عداوة” وكانت المحبة والحب مسطرتان بصفحات من النار والوعيد، وكيف يقسم المحب أنه لن يلتقي حبيبته، وكيف يسبها على الملأ ويقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر، ويعتقد الجميع بكل سذاجة أن هذه قصة لم يكتب لها أن تنتهي بالحب، لكن الحب يعتمل في قلب الطرفان، وكل منهما ينتظر الفرصة ليلتقي بحبيبه، ويضمه إليه بكل شغف، وحين أصبحت الحبيبة شبه مطلقة، قفزت الحمامة وقبل إنتهاء العدة خاطبة ودها، فقبلت الاغلبية وتمايلت وترنحت ورقصت طربا، فيما كان شباط يستشيط غضبا، كيف لحبيبته أن تفعل به هذا، إنها ورغم كل شيء حبيبته حتى وإن قال أنها داعشية، حتى وإن قال أنها عميلة لجهات خارجية فإنها تبقى حبيبته ولا يجب أن تنظر لأحد غيره، إنظروا غيرة الرجل الشرقي، ليس كمثل مراد، يطلب فقط حضور حبيبته وعلبة سجائر، وينهي إنتظار الجميع بنزوله، زعماؤنا لا ينزلون أبدا، زعماؤنا دائما ما يهددون بالانتحار ويتبادلون الادوار من حبيب إلى طليق إلى طالب ود إلى متيم وتستمر الحكاية….