حميد زيد – كود//
البطاطا بكل أنواعها.
البطاطا المقلية. والمسلوقة. والمبخرة. والبطاطا العائمة في المرق. البطاطا المطحونة. البطاطا المشرملة. البوتايتوس. البطاطا المقلية بدون زيت. البطاطا مع البيض. البطاطا على شكل سلطة. البطاطا بالمايونيز. البطاطا بالبصل والتونة. البطاطا بالجبن. البطاطا باللحم المفروم.
لا فرق بينها.
وليس من المقبول التمييز في ما بينها.
ليس جيدا ترك واحدة والتركيز على الأخرى.
بل يجب إصلاح البطاطا بكل مذاهبها. وأعراقها. من الداخل.
يجب إعادة النظر فيها.
بما في ذلك البطاطا القصبية لأنها لا تضادها.
وهل نخلطهما معا في نفس الطبق.
وهل نبسمل ونحن نأكلهما.
وهل ندفن الواحدة منهما في مقابر الأخرى.
حيث لا يجب تأجيل مثل هذه الأسئلة الأساس التي منها ستتولد أسئلة فرعية.
ليبقى السؤال مطروحا إلى الأبد.
والأهم هو إيجاد حلول للبطاطا. البطاطا الحالية. وليس بطاطا الأجداد.
البطاطا الآن وهنا.
وعلينا أن لا ننتظر.
علينا أن لا نتأخر.
علينا أن نتدخل قبل فوات الأوان.
ولا تكفي هذه المؤتمرات. ولا تكفي هذه الندوات. والمحاضرات. والمهرجانات. والدراسات. والبحوث الجامعية.
ولن تجدي كل هذه البهرجة نفعا.
ولن يجدي استقطاب النخب ومنحها المال. لتغيير البطاطا المتشددة. ومنع تلك الدخيلة من التغلغل.
فقد أضعنا وقتا كثيرا وأنفقنا أموالا طائلة من أجل لا شيء.
بينما مازالت البطاطا هي هي.
وكل يوم تتراجع أكثر إلى الخلف.
كما أنها مازالت عائقا أمام تطور الدولة والمجتمع.
لذلك يجب التفكير في البطاطا.
يجب ترك الثابت في البطاطا والتركيز على المتحول فيها.
فهناك جانب متنور في البطاطا كما أن هناك بطاطا نكوصية.
وهي التي تشكل خطرا علينا وعلى العالم.
لذلك يجب الاهتمام بهجنة البطاطا.
يجب تربية النشء على غياب أصل للبطاطا.
يجب كخطوة أولى إبعادها عن قطر والإمارات.
فسوق يأتي يوم لن نجد فيه الأخبار. ولن نجد موضوعا نتحدث عنه. ولن نجد كثيرا من المهن.
وفي انتظار ذلك اليوم فلنركز على البطاطا.
و لنتوجها.
و لنعل من شأنها لأنها تستحق.
ولنجعل من البطاطا الموضوع الرئيس.
لنجعلها أفقا. و عقيدة.
لنتصالح مع البطاطا في كل تمظهراتها.
لأنها ستشكل البديل الثقافي والغذائي للشعوب في المستقبل.
ومن يضمن اكتفاءه الذاتي من البطاطا فلن يكون في حاجة إلى الآخر.
ولن يعاني من التبعية ولا من الاستلاب.
لأننا قريبا لن نجد شيئا مشتركا بيننا غير أننا نأكل البطاطا.
بكل شرائحنا.
وبكل توجهاتنا. و فئاتنا.
نحن جميعا كائنات مصنوعة من البطاطا.
وكل المؤشرات تدل على أن ذلك اليوم قريب.
وهو يوم الحسم.
اليوم الذي ستختفي فيه الأخبار وتندر فيه الصحف.
ويصبح الصحفي حكاية من الماضي.
ويصبح القارىء نادرا.
و عليك أن تدفع الكثير من أجل شرائه.
وحينها سنحتاج إلى البطاطا. وعليها أن تكون متوفرة. وبكثرة.
البطاطا كبديل.
البطاطا كحل استشرافي.
البطاطا كملاذ.
علينا أن نتوفر على الاحتياطي الكافي منها.
علينا أن نثق فيها.
علينا أن نترك ما يكفي منها للشباب المغربي.
و لمغرب الغد.
أما نحن فقد أكلناها. وشبعنا.
ولئلا نتفاجأ. فإنه يجب من الآن الحفر عميقا في البطاطا.
يجب تقليبها من كل الجوانب.
يجب زرعها هنا. في التربة المغربية.
يجب إصلاحها من داخلها.
يجب أيضا التخلص من قشورها.
يجب الفصل بين البطاطا كبطاطا وبين تاريخها.
لأن تاريخ البطاطا هو تاريخ بشري.
تاريخها هو تاريخ أخطائها. وكل بطاطا تتجاوز الأخرى.
أما إذا بقينا هكذا مكتوفي الأيدي. نتفرج فيها.
وكل من هب ودب يفتي في البطاطا.
فهذا يعني أننا لن نجدها في المستقبل. وقد تشكل خطرا علينا.
وقد يخضر لونها. وتصبح سامة. و قاتلة.
وقد تتفجر في المقلاة. وفي طنجرة الضغط.
وهذا النوع من البطاطا هو الذي يلتحق بالجماعات المتشددة.
فكل شخص يلعب الآن بالبطاطا. وكل الجهات. وكل الأطراف. بينما الدولة منسحبة. وتتفرج.
الدولة مستقيلة.
الدولة منتصرة ولا يهمها أمر البطاطا.
ومادام المغربي يأكل فهي تعتقد أن كل شيء على ما يرام.
بينما داخل البطاطا فاسد. ومضغوط.
وإذا استمر الوضع هكذا فلن نجد البطاطا التي نعرفها.
ولن يأكلها أولادنا. ولن نمعسها للأجيال الآتية.
وليس الحل هو إلغاء البطاطا.
وليس باستئصالها سننجو.
ليس الحل هو تهميشها. وإبعادها. والتضييق على ملتهميها.
ليس الحل أن نقول ليس في البطاطا أملس.
ليس الحل هو تطرف مقابل تطرف.
بل يجب أن يكون كل تجديد من داخلها.
فهذا هو قدرنا. وهذه البطاطا في معدة كل مغربي.
ولا يمكن أن ننفي أنها نحن.
نحن كلنا في الوقت الحالي بطاطا.
لذلك ليس بمقدور أحد أن يقنع المغاربة بالتخلي عنها.
وقد يضحي المغربي بالخرشف. أما البطاطا فلا.
البطاطا ليست بالسهولة التي تظنون.
إنها مسألة جد معقدة. ومتداخلة. ولا ندري ماذا سيخرج من البطاطا. إن ظلت كل الأطراف تتدخل فيها.
وأي شخص حضر للعرض ما قبل الأول لفيلم “الإخوان” سيقتنع بأن مغرب اليوم هو مغرب غير مسبوق.
فمتى كان يحضر رؤساء أندية الكرة للعرض ما قبل الأول بدل النقاد والصحافيين.
متى كان للسينما كل هذا الجمهور.
متى كان الفيلم قنبلة.
وهذه سابقة تجعلنا لا نستصغر قضية البطاطا.
وهذا يدفعنا إلى أن نتحرك الآن. ونصلح البطاطا من الداخل
قبل فوات الأوان.
وبعدها نفكر دون ضغط في اللفت. الذي لا يشكل خطرا على أحد في الوقت الحالي.
ولا يعيق أي تغيير أو تقدم
لأنه في الغالب يتحول إلى غازات
كما أنه ليس له أتباع
وليست له دول تنفق عليه.
و لا خلاف حوله بين المغاربة.
ولا داخل له
ولا خارج.
أما إذا استمرينا على هذه الحال
أما إذا لم نتحل بالجدية اللازمة
أما إذا لم نول هذا الموضوع ما يستحقه من أهمية.
فلن تقوم لنا قائمة
وستظل مشكلة تخلفنا هي هي
وسنظل نلتهم البطاطا
كأن لا شيء يقع. و كأننا غير معنيين. وكأن كل ما يحدث. وكل ما نراه. ونسمعه. طبيعي وعادي.
