حميد زيد – كود//

في كل تجاربي الصحفية السابقة. وفي المساء. وفي الجريدة الأولى. كان المسؤولون دائما. ينظمون لنا مشكورين حفل إفطار جماعي.

ويحضره الصحافيون.

و التقنيون. و الراقنات. ومدير التحرير. ورئيس وسكرتير التحرير. والمساهمون.

فنأكل ما لذ وطاب في فندق خمس نجوم.

و نتجاذب أطراف الحديث.

ونلتقي ضيوف الشرف. وعددا من الوجوه المعروفة.

ونشرب القهوة. وندخن.

ثم ننصرف في الليل إلى منازلنا سعداء.

إلا في موقع كود.

لا شيء من هذا حصل.

ولا جرعة ماء جماعية. ولا تمرة واحدة. ولا بيضة مسلوقة. ولا بطبوطة. ولا حشوة. ولا أي شيء.

وقد يدعي مالك الموقع أنه علماني. بينما هذا الادعاء مردود عليه.

لأننا. ومنذ 2011. تاريخ تأسيس الموقع.

لم يحدث أن حضرنا لأي حفل. ولا لأي مناسبة دنيوية. من تنظيم مسؤولي موقع كود.

ولا مرة واحدة نظم لنا المدير حفلا في فندق.

ولا مرة واحدة قمنا بتقييم التجربة كما يفعل الجميع.

ولا مرة واحدة ناقشنا المستقبل.

ولا مرة واحدة تم تحفيزنا كي نطور من أدائنا.

إذ يبدو أن إدارة كود راضية عن ما نقدمه.

وما نكتبه.

وما ننجزه يوميا.

ولا تحتاج إلى دعاية. ولا إلى تلميع صورتها. ولا إلى أي تحفيز.

ولا إلى إغرائنا. ومكافأتنا.

ولا إلى تنظيم أي حفل.

ولا إلى إنفاق أي ريال.

فمنذ ما يقرب من عقد ونصف. وأنا أشتغل في هذا الموقع. بينما لم يسبق لي أن حضرت لأي مناسبة. أتعرف فيها على زملائي في كود.

و منهم من شاخ ولم يسبق لي أن رأيته.

وقد يموت لا قدر الله واحد منا دون أن نتعرف عليه.

في سابقة صحافية.

وفي عالم صحفي جديد لا يرى فيه الزميل زميله. ولا ينتبه للأمر. إلا بعد أن يتلقى خبر نعيه.

ولا شك أن حرية الصحافة تراجعت كثيرا في المغرب.

والجرائد قلت.

بعد أن هيمن صناع المحتوى وصاروا يهددوننا بميكروفوناتهم الحرة والمستقلة.

لكن ما تراجع أكثر هو الكرم الصحفي.

وهو حفلات الغداء. والعشاء. وحفلات الإفطار الجماعي.

و هو ما يوثر مهنيا على الصحافي على المدى الطويل.

ويؤثر على مردوديته.

وعلى شغفه بالمهنة. وعلى نفسيته. وعلى مساره.

وقد كان بيننا في الماضي زملاء متخصصون في البحث عن الندوات. واللقاءات. والعروض ما قبل الأولى للأفلام. التي تنتهي عادة بوليمة باذخة.

و بالمملحات.

و بالمشروبات.

وكان الواحد منا يحضر للعرض ما قبل الأول لفيلم مغربي فلا يعود إلى مكتبه. وإلى جريدته.

ويغيب يوما أو يومين عن المهنة.

ولا يستيقظ إلا بعد أن يكون الفيلم معروضا في القاعات.

وشبع فيه النقاد والجمهور نقدا.

بينما هذه الظاهرة تراجعت هي الأخرى للأسف.

مع تراجع الحرية.

ومع تفشي الأقلام الحرة. والربيع العربي.

وغزو أصحاب الهواتف والميكروفونات الذين لم يعد ممكنا أن تنظم لهم أي حفل.

لأنهم سيهجمون كالجراد.

وسيأتون على الأخضر واليابس.

بينما كنا قلة في الماضي.

وكان مسموحا أن يحضر مع الصحافي المهتم بالسينما والأدب زميل له يشرف على صفحة الجرائم.

لأن المشتغل في صفحة المحاكم محروم من هذه التقاليد والعادات الثقافية.

فيتذوق بدوره الفيلم ويحلله.

ويأكل ويشرب على نخب الجمال والنقد.

بينما كم عددنا الآن.

وكلما زاد عدد الميكروفونات والهواتف وصناع المحتوى

قل الأكل

وقلت الولائم الصحفية

وتراجعت المهنية والتحقيقات والاستطلاعات والسكوبات

و ساد البخل

وصار الجميع يتجنب إكرام الصحافيين

ورغم أننا في العشر الأواخر من رمضان

ورغم أن أبواب السماء مفتوحة في هذه الأوقات

لكن لا حياة لمن تنادي.