أين الجامعة العربية؟ أين الأصدقاء الأفارقة أين الجوار المغاربي؟ أين تونس، أين مصر أين موريتانيا أين العالم الاسلامي؟ لقد خسر المغرب حتى الأوساط المعادية لمدريد مثل الكاطالونيين والباسكيين وغيرهم بتصريحاته الأخيرة.
كان حريا بالدبلوماسية المغربية أن تحتفظ بعلاقات وطيدة معهم وتستقبلهم في اطار احترام حرية التعبير وتستعملهم لخدمة مصالحها الاستراتيجية الكبرى.
اين بوريطة الذي يفضل التعامل مع الاعلام الاجنبي وتهميش الاعلام الوطني، اين هذا الوزير من علاقاته الدبلوماسية مع الدول الصديقة.
أين مغاربة اسبانيا؟ أين الجالية المغربية؟ أين الحس الوطني؟ قد نختلف مع الحكومة كليا ولكن الوطن أسمى من الحكومة والدولة وأجهزتها. الوطن هو الاطار المرجعي الجامع والاسمى والوطن هو الانتماء وهو الأرض كذلك.
إن المغرب يعيش عزلة ولم يبق للدولة إلا الشعب الذي قرر جزء منه أن يهرب إلى سبتة. بينما تقوم اسبانيا بتعزيز جبهتها الداخلية والاستعداد للمصالحة مع كاطالونيا أين جبهتنا الداخلية نحن؟ واين المجتمع المدني والأحزاب وأين وزارة الخارجية؟ وأين اعلامنا؟ لما كانت وسائل الاعلام الأجنبية تغطي موجة الهجرة إلى سبتة وتركز من الجانب الاسباني على صور البؤس لماذا لم تغطي لاماب والقطب العمومي المتجمد من أولى ودوزيم وميدي أن؟ لماذا اكتفوا بنشر البلاغات؟ .
لقد خسرنا معركة الاعلام في وقت كان من الممكن أن يظهر فيه الاعلام العمومي وحشية التعامل الاسباني من استعمال للغاز المسيل للدموع واستهداف للقاصرين بالرصاص المطاطي وتعنيف الخ. بل لماذا لم يعلق المغرب على استعمال اسبانيا للجيش قرب سياج سبتة وعلى زيارة سانشيز للثغر المحتل؟ كلها أسئلة تنتظر من يجيب. للأسف الحكومة لا تتواصل واتخذت من كوفيد مطية للهروب من أسئلة الصحفيين خلال الندوة الاسبوعية للمجلس الحكومي في الوقت الذي نرى فيه الجارة الشمالية تتواصل بشكل يومي مع الصحافة.
أما الجزائر فسيجل لها التاريخ والأجيال اللاحقة دفاعها عن الأطروحات الاستعمارية ضد المغرب وتحالفها مع اسبانيا ضد المغرب مثلما فعل المعتمد بن عباد قبل أن يلقنه ابن تاشفين درسا للتاريخ وينزله المكانة التي تليق بخائن.
لقد نشرت كود سابقا مقالات تشرح فيها كيف تحولت الجزائر من بلد يناهض الاستعمار إلى نظام يدافع عن الإرث الاستعماري. ما موقف الجزائر من سبتة ومليلية؟ الجواب يكمن في عقيدتها المتمثلة في قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار وبالتالي دفاعها عن اسبانية الثغرين المحتلين.
وهنا كذلك يكمن صلب سوء الفهم العميق مع أوروبا والغرب عموما. يتكلمون مع دولة أمة مثل المغرب مثلما يتكلمون مع الجزائر وبنين وطوغو أو جمهورية افريقيا الوسطى، وكلها دول أسسها الاستعمار ويبدؤون تاريخ الصحراء على وجه الخصوص انطلاقا من الاستعمار الاسباني وكأن الاستعمار بداية التاريخ.
إن صراع المغرب مع اسبانيا وخلفها الغرب هو صراع دولة أمة ومملكة شمال افريقية تسعى إلى استرجاع قليل مما سلب منها الاستعمار. أسبانيا والغرب يرفض فكرة المغرب الدولة الأمة ذات الحقوق التاريخية، لأنه تاريخيا معاهدة ويستفاليا التي وضعت أسس الدولة الأمة الحديثة أسست كذلك لفكرة سيادة الدول واحترام حدودها ما عدا الدول المسلمة آنذاك أي المملكة المغربية والدولة العثمانية.
وقد يقول قائل أن المغرب اخطأ عندما لم يوقف المهاجرين المتوجهين إلى سبتة؟ وماذا عسى المغرب أن يفعل وهو ينشر البلاغات منذ أبريل يطلب اسبانيا بشرح مايقع مع غالي ولم يبال به أحد في اسبانيا والاتحاد الأوروبي والغرب. لو لم تحدث أزمة المهاجرين لمكث غالي هاني البال في اسبانيا ورجع وبقي المغرب يصدر البلاغات. أزمة المهاجرين هي التي سلطت الضوء على تواطوء اسبانيا والجزائر ضد الوحدة الترابية للمغرب ولكن في المقابل الضرر الجانبي هو أن المغرب ظهر كدولة يهرب منها الشباب وكأنها تعيش ازمة كبيرة في حين اظهرت المملكة قوتها وعلو كعبها في تدبير الجائحة ونجاحها في تعميم التلقيح على المواطنين.
الآن على المغرب أن يحضر للسيناريوهات المقبلة وأولها أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ليس مكسبا مضمونا بل عليه ايجاد طرق للتثبيته وأن هذا الاعتراف أماط اللثام عن ضبابية وازدواجية المواقف الأوروبية تجاه الصحراء. يريدون الوضع القائم أن يستمر لكي يحافظوا على مصالحهم مع الرباط والجزائر ويضعفوا الطرفين معا.
كيفما كان الحال، أزمة الهجرة أظهرت لأوروبا والغرب أهمية الحفاظ على دور المغرب واستقراره وأن فتح الحدود لثلاث أيام كاف لتغيير موازيين القوى الدمغرافية في الثغرين وأن الرباط ضاقت ذرعا بازدواجية الخطاب وربما كلفة المواجهة الدبلوماسية مع أوروبا قد يليها تصعيد على الأرض مادمنا كمغاربة ندفع ثمن حرب استنزاف الثروات منذ سنوات.
على المغرب أن يتصرف كصاحب حق ويدعو اسبانيا لتسليم غالي له لمحاكمته بالمغرب بتهمة الخيانة العظمى وقضي الأمر.