الوالي الزاز -كود- العيون////

[email protected]

انخرطت بريطانيا في الدينامية الدولية التي يقودها الملك محمد السادس في سبيل ترسيخ مغربية الصحراء عبر موقف رسمي عبر عنه وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية، ديفيد لامي، خلال الزيارة التي يقوم بها للمملكة المغربية أمس الأحد 1 يونيو 2025.

وسجلت المملكة المتحدة موقفا تاريخيا فيما يخص نزاع الصحراء من خلال البيان المشترك الذي أعقب المحادثات بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة ونظيره البريطاني ديفيد لامي، والذي اعتبرت فيه أن “مقترح الحكم الذاتي، المقدم (من قبل المغرب) في 2007، بمثابة الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية من أجل تسوية دائمة للنزاع” الإقليمي حول الصحراء المغربية، و”ستواصل العمل على الصعيد الثنائي، لاسيما في المجال الاقتصادي، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفقا لهذا الموقف، من أجل دعم تسوية النزاع”.

وجاء الموقف البريطاني الجديد فيما يتعلق بنزاع الصحراء وتحول لندن عن “حيادها السلبي” نحو دعم دينامية النزاع بناء على عدة أسباب رئيسية ساهمت في إعتماد المملكة المتحدة لهذا الموقف الجديد ونأيها عن اعتماد الضبابية غير المبررة لاسيما مع تزايد دعم المبادرة دوليا.

1- العلاقات بين العائلتين الملكيتين:

ساهمت علاقات الاحترام والود المتبادل بين العائلتين الملكيتين في كل من المملكة المغربية والمملكة المتحدة في تيسير عملية دعم بريطانيا لمبادرة الحكم الذاتي، إذ تتجذر هذه العلاقات منذ قرون، كما أخذت منحنيات إيجابية كبيرة إبان فترة الملك الحسن الثاني والملكة إليزابيث لتنتقل إلى مرحلة جديدة بين الملك محمد السادس والملكة إليزابيث، ثم الملك محمد السادس والملك تشارلز الثالث.

وأحاطت العائلاتان الملكيتان طيلة الفترة الماضية العلاقات الثنائية بالدفء اللازم لتيسير التعاون المشترك، حيث وجدت الرباط ولندن نفسيهما ضمن واقع تجاري واقتصادي وأمني يكتسيه زخم كبير، لاسيما بعد الانخراط المغربي في الواقع البريطاني الجديد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، عندما وقع الجانبان جملة من الاتفاقيات في مجالات التجارة والأمن والفلاحة والطاقة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 2021.

2-  اللوبي المغربي ربح الحرب الدعائية الموجهة ضد الوحدة الترابية

ساهم اللوبي المغربي على مستوى بريطانيا في تسهيل خروج بريطانيا من موقفها الضبابي المرتبط بنزاع الصحراء، حيث انخرط في حملة دعائية كبيرة لصالح مغربية الصحراء على مستوى برلمان عموم بريطانيا ومجلس اللوردات، على الرغم من كون تلك الحملة جاءت كردة فعل على حملة معادية سالفة أطلقها داعمون للبوليساريو من حزب العمال ومن خلفهم الجزائر.

ووقف برلمانيون بريطانيون كثُر، خاصة من حزب المحافظين ندا للحملة الدعائية ضد مغربية الصحراء، حيث شارك عدد منهم في حلقات نقاش مخصصة للنزاع ساهمت في تنوير البرلمانيين البريطانيين وضحد الأكاذيب التي يحاول معادو الوحدة الترابية ترويجها، على غرار الندوة التي دعا لها دانييل كاوتشينسكي بتاريخ 8 ماي 2024، كما طلب عدد آخر منهم من وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية توضيح الموقف من نزاع الصحراء ومارسوا ضغوطا في سبيل انتزاع موقف واضح يعزز وحدة المملكة المغربية الترابية وسيادتها على الصحراء على غرار تشارلي ديوهيرست وأندرو موريسون، من خلال عشرات الأسئلة.

هذه الأسئلة والأجوبة المقدمة من طرف الحكومة البريطانية بشقيها سواء الذي قاده حزب المحافظون أو العمال كان لها دور كبير في إزاحة التردد الذي كان يكتسي الموقف البريطاني طيلة الفترة الماضية، وجعل الحكومة اليوم تنوه وتشيد بمبادرة الحكم الذاتي كأساس لتسوية ملف الصحراء.

3-  موقف العضوين الدائمين بمجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا

فرض الموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء واقعا جديدا فيما يخص نزاع الصحراء، وزاد من تأثيراته تجديد الإدارة الأمريكية التأكيد على نفس الموقف المُصطف إلى جانب السيادة الوطنية المغربية، كما حاصر الموقف الفرنسي أعداء الوحدة الترابية للمغرب وجعل قوى دولية تفكر في إعادة النظر في موقفها من النزاع ودعم مبادرة الحكم الذاتي.

من بين هذه القوى الدولية كانت المملكة المتحدة التي تلقفت الموقف الأمريكي والفرنسي، لاسيما وأنهما صادران من عضوين دائمين بمجلس الأمن الدولي وما يعنيه ذلك على مستوى مجلس الأمن وتأثيراته على صياغة السياسات الدولية والتوافقات بين الأعضاء الدائمين الخمس، خاصة وأن بريطانيا عنصر فعال ضمن “محور الغرب”.

لايمكن إغفال أن الموقف الأمريكي والفرنسي وحتى الإسباني والإسرائيلي كان حاضرا في مختلف الأسئلة الموجهة للبرلمان البريطاني، حيث دعا برلمانيون محافظون ومن حزب العمال للحذو حذو واشنطن باعتبارها قائدا للمجموعة الغربية، خاصة وزير الخارجية الحالي الذي عبر أمس عن دعم مبادرة الحكم الذاتي، خلال فترته نائبا برلمانيا عن حزب العمال، ديفيد لامي، والذي دعا في سؤال له إلى ضرورة المضي قدما والاقتداء بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء، وكذا السؤال الموجه من النائب المحافظ، أندرو موريسون، لوزير الشؤون الخارجية والكومنويلث والتنمية البريطانية، يطالب فيه بتقييم “المزايا المحتملة لدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، بما يتماشى مع المواقف الدبلوماسية المعدلة لكل من (أ) فرنسا، (ب) الولايات المتحدة، (ج) إسرائيل و (د) إسبانيا”.

بالإضافة للنائب البرلماني عن حزب المحافظين، أندرو روزينديل، الذي وجه سؤالا لوزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، حول ما إذا كانت الحكومة البريطانية ستجري تقييما للتداعيات المحتملة لسياسات حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا، في إشارة لدعم هذه الدول لمغربية الصحراء وما إذا كانت بريطانيا ستحذو حذوها.

4-  الطموح الاستثماري البريطاني والانخراط في المشاريع المغربية للهيدروجين والمبادرة الملكية الأطلسية

استوعبت المملكة المتحدة مفتاح كسب ود المملكة المغربية، وما يمليه تعزيز التعاون المشترك مع المغرب، وهو ما ورد في الخطاب الملكي، عندما أكد الملك محمد السادس أن الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم، كما اكتسبت دروسا من توتر العلاقات بين مدريد وباريس والرباط، لاسيما ما بعد دعم مدريد وباريس لمبادرة الحكم الذاتي، ما حتّم عليها ضرورة الخروج لدائرة الضوء والمجاهرة بموقف يتماهى مع الرؤية المغربية لحل نزاع الصحراء.

الموقف السياسي البريطاني من نزاع الصحراء يحمل في دواخله طموحات اقتصادية بريطانية كبيرة تم التلميح لها من خلال دوگلاس ألكسندر، وزير السياسة التجارية والأمن الاقتصادي البريطاني، والذي أكد على سبيل المثال في جواب كتابي بتاريخ 14 ماي 2025، أنه: “يتعين على الشركات اتخاذ قراراتها الخاصة فيما يتعلق بالاستثمارات في الصحراء الغربية، كما هو الحال في أي منطقة أخرى، على أساس المعلومات المتاحة لها بما في ذلك من وزارة الأعمال والتجارة”، كما شدد في جواب آخر على أن مكتب التجارة والتنمية ووزارة الخارجية والتنمية يتعاونان بشكل متكرر حول أفضل السبل لتحقيق مهمة الحكومة في النمو، بما في ذلك من خلال دعم الصادرات والاستثمارات البريطانية في جميع أنحاء شمال أفريقيا، مضيفا أن فريق وزارة الأعمال والتجارة البريطانية في المغرب يركز على فرص الأعمال التي تُحقق أقصى قيمة للاقتصاد البريطاني، مستشهدا بالعمل الذي تُجريه الوزارة في مشاريع البنية التحتية، استعدادًا لاستضافة المغرب المُشتركة لكأس العالم لكرة القدم 2030.

الأجوبة التي قدمها وزير السياسة التجارية والأمن الاقتصادي البريطاني، تحيل بشكل مباشر وواضح على أن بريطانيا تطمح للتعاون الاقتصادي والتجاري مع المغرب وتسجيل حضورها في شمال أفريقيا بشكل جاد، وهو ما يمر حصرا عبر بوابة دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية كأساس لتسوية نزاع الصحراء.

وينضاف لذلك، السعي البريطاني للمشاركة في المبادرة الملكية الأطلسية والبحث عن منفذ تجاري واقتصادي يضمن حضورها على مستوى الساحل و الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية بعيدا عن المغامرة، وكذا ضمان موطئ قدم في المغرب والانخراط في مشروع ميناء طنجة الكبير باعتباره قطبا ضمن الفضاء الأورومتوسطي والمغرب العربي ومحطة للاندماج التجاري والاقتصادي بين المنطقة وأفريقيا والدول العربية وأوروبا.

وترى بريطانيا أيضا في مشاريع الهيدروجين الأخضر المغربية ضرورة قصوى لضمان أمنها الطاقي وحضور شركاتها الطاقية، إذ يأتي موقفها السياسي من النزاع ليعزز سعيها لتأمين حصة لها، لاسيما وأن الحكومة المغربية صادقت على ستة مشاريع للهيدروجين الأخضر بقيمة إجمالية تصل إلى 319 مليار درهم (حوالي 32.5 مليار دولار)، بمشاركة شركات دولية مثل الشركة الأمريكية أورتوس، وأكسيونا الإسبانية، ونوردكس الألمانية، في انتظار مشاريع مستقبلية تسعى كل من توتال إنرجيز الفرنسية وفورتسكو الأسترالية للمشاركة فيها قصد نقل الهيدروجين نحو أوروبا.