أنس العمري – كود///

فربع قرن من حكم الملك محمد السادس، تحققت العديد من الإنجازات والتحولات على المستوى الثقافي والفني، قابلها مبادرات إنسانية كبرى، في دينامية تعكس مشاهدها مجتمعة التعددية الثقافية للمملكة وتشبعها بقيم التعاون والتضامن، وتجسد النموذج المتفرد في النهوض بقيم العيش المشترك وثقافة الاحترام المتبادل والتسامح عبر العالم.

في هذه الورقة تستعرض “كود” 25 حدثا ثقافيا وفنيا وما حفل به الشأن الاجتماعي من مبادرات بارزة شهدتها بلادنا منذ اعتلاء سيدنا عرش أسلافه.

1ـ 2023.. قرار ملكي تاريخي

وحدة من أبرز المحطات الثقافية فـ 25 سنة الماضية، كانت تفضل سيدنا بإقرار، في 2023، رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.

هاد القرار الملكي التاريخي جسد العناية الملكية الكبيرة بهاذ المكون الرئيسي للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ولي كيشكل رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

2ـ إنجاز وازن

شكل الخطاب الملكي بأجدير في الـ17 من أكتوبر 2001، حدث تاريخي ومنعطفا أساسي في السياسة اللغوية والثقافية في المملكة.

فموجبه، وبمقتضى ظهير شريف في 17 أكتوبر 2001، تم إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي حددت أهدافه في صيانة الأمازيغية والنهوض بها وتطويرها في مختلف أشكالها. وأتاح إحداث هذا المعهد تحقيق إنجازات وازنة في مجالات البحث حول اللغة والتعبيرات الفنية والثقافية، والتربية والتكوين، وتطبيق التكنولوجيات الحديثة.

3 ـ “الإرث القوي”

يولي الملك محمد السادس عناية خاصة للحفاظ على المكون العبري للهوية الوطنية والتراث اليهودي المغربي، وذلك من خلال تكريس “الإرث القوي” للراحلين جده الملك محمد الخامس، ووالده الملك الحسن الثاني.

وتبقى العديد من الإجراءات والمبادرات الملموسة شاهدة على هذا الاهتمام الملكي في الحفاظ على التراث اليهودي المغربي الغني.

وكيتعلق الأمر أساسا بتكريس العبرية في ديباجة دستور مملكة كأحد روافد الهوية المغربية، وإعادة تأهيل وتطوير دور العبادة والأحياء والمقابر، علاوة على عمليات تنظيم للطائفة اليهودية المغربية عبر مؤسسات من قبيل المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية.

4 ـ اعتراف دولي

العام لي فايت (2023) كانت فيه محطة أخرى مهمة. الحدث تمثل في تكريس المرتبة المتقدمة التي تحتلها المملكة من حيث العناصر الثقافية المسجلة على قائمة منظمة (ايسيسكو) للتراث الثقافي اللامادي (8 عناصر جديدة) وقائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي للبشرية (عنصر الملحون).

فبفضل هاد الإنجازين اللذين يعدان تكريسا لجهود الحفاظ على التراث الثقافي المغربي بقيادة الملك، المغرب حافظ على التوالي على المرتبة الأولى على قائمة (ايسيسكو) في العالم الإسلامي، وكذا على موقع الصدارة من حيث التسجيلات الثقافية الأممية على مستوى القارة الإفريقية.

5 ـ باني المسارح

منذ بداية حكمه، أعاد الملك محمد السادس الاعتبار للمسرح في المغرب، لوعي سيدنا بأهمية الثقافة في تحقيق التطور والتنمية للشعوب.

وكانت البداية من وجدة، بتدشين في 25 يوليوز 2020، مسرحا حمل اسمه، ليرى النور بعده المسرح الكبير للرباط، والذي يعتبر أضخم مسرح في العالم العربي وإفريقيا، بمساحة تمتد لـ47 ألف متر مربع.

ووسط هذا الجيل الجديد من المسارح ذات المواصفات الاحترافية العالية، يظهر أيضا اسم المسرح الكبير للدار البيضاء.

6 ـ “ثورة سينمائية”

تحت قيادة سيدنا، عرف القطاع السينمائي انطلاق جديدة قوية. انطلاقة بدا مسارها كيتحدد بعد عقد مناظرة وطنية حول السينما، ولي على كان من نتائجها إنشاء صناديق دعم جديدة بتعليمات ملكية وردات فالرسالة الموجهة إلى المشاركين في أشغال المناظرة الوطنية حول السينما (16 أكتوبر 2012).

هاد الصناديق الجديدة، وهي (صندوق خاص لدعم إنتاج الأفلام الوثائقية حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، صندوق لدعم وتقوية المهرجانات السينمائية، صندوق لدعم إنشاء القاعات السينمائية ورقمنتها، وصندوق لدعم الإنتاج السينمائي الوطني والأجنبي)، ساهمات فإنتاج أفلام سينمائية مغربية عبرت الحدود وخدات جوائز عالمية.

7 ـ مؤسسة للمتاحف

من الأوجه لي كتجسد الإرادة الملكية للنهوض بالثقافة، إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف في سنة 2011.

ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم، وقعت المؤسسة عددا من الشراكات مع متاحف عالمية عريقة من بينها متحف اللوفر، ومتحف الحضارات في أوروبا والمتوسط، وأيضا معهد العالم العربي، تتعلق أساسا بتبادل الأعمال الفنية وتكوين الموارد البشرية.

8 ـ تحفة معمارية

كانوا المغاربة في السابع من أكتوبر سنة 2014 على موعد مع تدشين أحد أبرز المشاريع الرائدة التي ستساهم في صيانة وإشعاع الموروث الفني والحضاري للمملكة.

ففي هذا اليوم، أشرف الملك على تدشين بالرباط متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر.

وتعد هذه التحفة المعمارية أكبر مؤسسة متحفية في المملكة مكرسة بشكل تام للفنون الحديثة والمعاصرة، وأول مؤسسة عمومية تستجيب للمعايير الدولية لتنظيم المتاحف.

9 ـ “تراث المغرب”

مؤخرا، طلقات وزارة الشباب والثقافة والتواصل علامة التميز “تراث المغرب”، وهو مشروع فريد من نوعه، في حين تحرز تقدم كبير في مشروع تطوير العلامة والعلامات المميزة لهذه العناصر من التراث غير المادي.

وهاد المبادرات الهدف منها “حماية هوية المملكة المغربية والمحافظة على تراثها الثقافي والذي يتعرض لعمليات سطو، عبر جميع القنوات والآليات القانونية المتاحة لليونسكو”.

10 ـ المهرجانات العالمية

فهاد ربع قرن، وصلا المهرجانات الموسيقية المغربية لمراكز متقدمة في لوائح أهم المهرجانات العالمية.

وعلى سبيل الذكر، لا الحصر، تصنف مهرجان موازين إيقاعات العالم، الذي تنظمه جمعية مغرب الثقافات بمدينة الرباط، ضمن أفضل عشرة مهرجانات موسيقية في العالم، من قبل الموقع الأمريكي  (MTVGGY).

كما صنفت المجلة البريطانية الشهيرة “سونغ لاين” ثلاثة مهرجانات مغربية ضمن قائمة أفضل 25 مهرجانا دوليا في العالم، ويتعلق الأمر بمهرجان “كناوة وموسيقى العالم” بمدينة الصويرة، ومهرجان فاس للموسيقى الروحية، ثم مهرجان “تيميتار”. أما مهرجان “كناوة وموسيقى العالم فاحتل المركز الخامس عالميا، بعد أربعة مهرجانات موسيقية أوروبية شهيرة.

11 ـ الرباط.. عاصمة الثقافة

شهدت سنة 2023 اختتام تظاهرة “الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية”، بعد سنة كاملة من الفعاليات الثقافية في مجالات الأدب والشعر والفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والسينما وفنون الشارع والرقص والفنون الرقمية وعروض الأزياء والتصوير الفوتوغرافي، بشكل تحولت معه عاصمة الأنوار إلى واجهة ثقافية تعكس غنى وتنوع الثقافة الإفريقية للعالم.

وانضافت إلى هذه التظاهرة الإفريقية ذات الصيت العالمي، إلى أخرى “وهي “الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي”.

12 ـ أولوية الثقافة

من بين أمثلة “الإرادة الملكية القوية في النهوض بالشأن الثقافي، والأولوية التي تحتلها في سياسات الدولة، توشيح الملك محمد السادس عددا من المثقفين والفنانين في الأعياد الوطنية.

كما تتجسد هذه الإرادة في نص دستور 2011 في فصله 19 على أن الحقوق الثقافية من حقوق المغربي، بل إن هناك مساواة بينها وبين باقي الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

13 ـ مركز باريس

فـ 2016، وبدعوة من جاك لانغ، مدير معهد العالم العربي في العاصمة باريس، اطلع الملك محمد السادس على تفاصيل مشروع المركز الثقافي المغربي المشيد فباريس.

وهذا الصرح الثقافي كيشكل واجهة حقيقية للثقافة المغربية بتنوعها وثرائها، حيث إنه كيساهم في التعريف بالتراث والتقاليد المغربية، وكذا بتعريف المواطن الفرنسي بالمشهد الفني المغربي المعاصر.

14 ـ رعاية المبدعين

لا يفتأ سيدنا يحيط برعايته جميع المبدعين والفنانين وأفراد الأنتلجنسيا المغربية بصفة عامة.

وهي رعاية باتت تصنع لحظات قوية في المشهد الثقافي والفني الوطني الذي يتجاوب بامتنان وتقدير مع التفاتة ملكية تجاه شاعر أو كاتب أو ممثل أو رسام أرهقته استحقاقات الزمن وتصاريفه.

ولا تقتصر الرعاية على الدعم المادي فقط، إذ لا يتأخر الملك عن مشاطرة مبدعي هذا البلد أحزانهم.

15 ـ ثورة الفن السابع

كانت حصيلة الفن السابع جد إيجابية فربع القرن الأخير. وخير ما يمكن الاستشهاد به فهاد الصدد، ما تحقق في 2023، والتي سجلت مشاركة أعمال مغربية بمهرجانات الصف الأول عالميا ونالت أغلبها الجوائز بها.

ومن ضمن المتوجين فوزي بن سعيد، لي تختار فيلمو بالدورة الأخيرة لمهرجان كان “الثلث الخالي”.

كما أن فيلم “عصابات” لكمال لزرق و”كذب أبيض” لأسماء المدير شاركو في فقرة “نظرة ما” بالمهرجان ونالا جائزة لكل منهما.

16 ـ الكرامة الإنسانية

لدى اعتلائه العرش، طلق سيدنا إصلاحات متعددة الأبعاد تروم بناء دولة اجتماعية قوية وشاملة، ساهمت في تغيير وجه المملكة.

ومن هاد المنظور، جا إحداث مؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تعمل منذ عام 1999 من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية من خلال العديد من المبادرات.

وهذه المؤسسة تجسيد وضع الإصلاحات التنمية الاجتماعية والبشرية في صلب المشاريع المهيكلة.

17 ـ حماية للجميع

فالآونة الأخيرة تفعل نموذج التنمية الجديد. وهو نموذج كيهدف إلى تعزيز أسس المغرب الشامل، الذي يوفر الفرص والحماية للجميع، وحيث يتم تكريس التماسك الاجتماعي.

وبهدف تحقيق النجاعة والمساواة، جرى إحداث سجل اجتماعي موحد في عام 2022، الذي يضم، اليوم، أكثر من 5 ملايين أسرة، أي ما يعادل 18 مليون مغربي.

18 ـ تأمين عن المرض

فزمن جائحة (كوفيد -19)، ثبت المغرب قدرته على تعزيز قيم التعاون والتضامن.

وكان أنه في هذه الأزمة الصحية العالمية، أعطى الملك تعليماته من أجل التعميم التدريجي لنظام الحماية الاجتماعية، من خلال تعميم التأمين الإجباري الأساسي على المرض.

وقد خصصت اعتمادات مالية مهمة لهذا الغرض، فضلا عن إحداث إطار قانوني مناسب وإصلاح هيكلي للمنظومة الصحية.

19 ـ دعم للأسر والسكن

فهاد السياق، جا الدعم المباشر للأسر المعوزة ليعزز هذا النموذج المجتمعي، من خلال منح إعانة شهرية للأسر المستحقة.

كما قدم برنامج دعم السكن، وهو آلية أخرى ضمن العرض الاجتماعي الذي يستهدف ذوي الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة، دعما ماليا للراغبين في اقتناء مسكن لأول مرة، سواء المقيمين في المغرب أو في الخارج.

20 ـ دروس زلزال الحوز

فغشت 2023، غتعرف منطق الحوز أكبر زلزال مدمر في المنطقة. خلف قتلى وجرحى ومفقودين يقدرون بالآلاف. وهنا أيضا انتصر ذات التلاحم الدائم بين العرش والشعب، فأعلن الملك عن تأسيس صندوق خاص لمواجهة تداعيات الزلزال، وقدم المغرب حينها دروسا في التطوع الشعبي التلقائي وأظهر نجاعة المؤسسات المغربية والسلطات، وفي مقدمتها القوات المسلحة الملكية، في مجالات الإغاثة والإنقاذ والإيواء.

21 ـ ذراع اجتماعية

استأثر العمل الاجتماعي فعهد سيدنا بحيز كبير من المبادرات الاجتماعية القائمة على التآزر والتكافل المجتمعي.

وفهاد الإطار، تشكل مؤسسة محمد الخامس للتضامن مبادرة ملكية حاثة على تعزيز قيم التضامن، ورافعة اجتماعية فعالة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي الناجع، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

فمنذ إحداثها فـ 1999، خدات المؤسسة على عاتقها مهمة النهوض بثقافة التضامن وتحقيق التنمية البشرية المستدامة.

22 ـ تنمية عبر مراحل

ملي انطلق، مشا قطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبر ثلاثة مراحل كبرى، سعيا لتحقيق طموح التنمية الشاملة ببلادنا.

وهي فلسفة ملكية تروم تنزيل إجراءات مصاحبة ومدعمة لكافة البرامج الحكومية والمخططات الاجتماعية والاقتصادية للدولة.

وقد أحدثت المبادرة منذ انطلاقتها تغييرا في معالجة المعضلة الاجتماعية بالمملكة، وقامت أيضا بإرساء مناهج وأساليب عمل مبتكرة.

23 ـ انقطاع للحوار

من أكثر ما كيبين أن الشأن الاجتماعي كيحظى عند الملك باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان، هو توجيهاته بخصوص الحوار الاجتماعي.

ففي خطابه الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش فـ 2018، دعا الحكومة إلى اعتماد الحوار الاجتماعي “بشكل غير منقطع”.

وأكد، فالخطاب، “هنا أقول للحكومة بأن الحوار الاجتماعي واجب ولابد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع. وعليها أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عن ما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج”.

24 ـ التزام نحو الشباب

تقع مسألة النهوض بقضايا الشباب وتوفير مناخ ملائم لهم من أجل عيش أفضل في قلب عدد من المبادرات التي أطلقها الملك، والسياسات التي تنتهجها المملكة تحت قيادته، انطلاقا من الالتزام الراسخ لسيدنا إزاء هذه الفئة من المجتمع باعتبارها العمود الفقري للأمة ومستقبلها المشرق.

وهكذا، فقد تعددت المشاريع التي أطلقها سيدنا والتي تعنى بالشباب وتلامس كافة المجالات، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية والرياضية، والكفيلة بضمان مستقبل آمن، والعيش في كنف مناخ يطبعه الاستقرار والازدهار والرفاهية، بالإضافة إلى الاستجابة لتطلعاتهم وانتظاراتهم المتعلقة بالتشغيل وتوفير فرص الشغل.

25 ـ إصلاحات بنفس اجتماعي

الملك كان عندو طموح آخر تجلى في تأسيس نظام جبائي يقوم على الفعالية والعدل والتوازن، وهو الذي تجسد في القانون ـ الإطار المتعلق بإصلاح النظام الجبائي.

وترجمت إرادة النهوض بالنظام الجبائي المغربي عبر سلسلة من الإصلاحات، اندرجت جميعها في إطار الرغبة في تحديث هذه المنظومة وتبسيطها، وإضفاء الوضوح والنجاعة عليها، ولي توجات بهاد القانون، كأول إصلاح ضريبي يعتمده المغرب.