لكن حركة 20 فبراير لم تجمع ما بين التناقض فقط. لقد وحدت ما بين شباب يحمل رياح التغيير ولن يرضى إلا بمغرب آخر جديد. هو الشباب الذي اتفق على تشخيص الداء والمرحلة، فقال بصوت حاد في كل الجهات: المغرب دولة فساد، ريع، فقر، أمية، غلاء المعيشة، إقصاء، تهميش، قمع، رقابة، مرض، سكن عشوائي، ظلم، إهانة، تخلف، إستبداد، حزب أغلبي، رشوة، بيروقراطية، محسوبية وأشياء سوداء أخرى. هو الشباب الذي صرخ في الشارع العام كما في داخل بعض المؤسسات بضرورة التغيير. لقد اتفق كذلك الشباب كون مدخل التغيير سياسي دستوري فنادى بدستور جديد.
جاء الخطاب، يوم 09 مارس ليجيب الحركة ويعلن نية الإصلاح. الملك يسمع إلى الشعب والشباب ويدعو إلى دستور جديد. وعد بالتخلي عن جملة من السلط لصالح الوزير الأول ومؤسسات منتخبة. وعد بدسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والتزم بالمساهمة في دفع المغرب لوج نادي الدول الديمقراطية.
لكن، هل استجاب الملك لمطالب الحركة؟

إن المدخل السياسي والدستوري يعد المدخل الرئيسي لكل إصلاح وتغيير يمكن للمغرب أن يشهده. فالإصلاح الدستوري الحقيقي هو المدخل لمعالجة الأزمة البنيوية والتخلف الحضاري الذي تعيشه البلاد. فحتى التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا بانهيار نظام المخزن القائم على سلطة "الولاة"، "العمال"، "القياد"، "الشيوخ"، "الخليفات"، ونظام "الكريمات"، "الكارطيات"… ولعل الإكراهات الكبرى التي تعترض الاقتصاد المغربي هو التنظيم السياسي الحالي نفسه. إنه تنظيم يقوم على توازنات سياسية جامدة تمنعه من التقدم الاقتصادي وتحقيق ثوراته الفلاحية والصناعية والتكنولوجية والخدماتية. ولعل هذا الأمر يظهر جليا من خلال تعدد الفاعلين غير الحكوميين وغير الخاضعين لمراقبة ممثلي الشعب والذين يتمتعون بصلاحيات واسعة ولا يقدمون أية خدمة لصالح التنمية والتقدم بل يعملون عكس ذلك على استنزاف خيرات الوطن عبر النهب ووضع مشاريع لا جدوى منها. هذا ولا ننسى النسق الانتخابي الذي يفرز تحالفات غير متجانسة وغريبة. ومن بين العوائق الكبرى نذكر كذلك استمرار الدولة في نهج سياسات عمومية ـ قطاعية غير ناجعة، محدودة النتائج أومحكوم عليها بالفشل (المخطط الأخضر، مقاولتي، إقلاع، رواج…). ولعل إشكال الخوصصة يبقى عائقا كبيرا خاصة وأنها تشمل المجالات الأكثر حساسية، كما أن الشركات المستثمرة لا تخضع لرقابة قوية من طرف المؤسسات المنتخبة وتخرق جل بنود دفاتر التحملات. ينضاف إلى هذا سياسة التبادل الحر التي انخرط فيها المغرب ليفتح أسواقه لغزو اقتصادي لم يشهد مثيلا له في تاريخه الحديث. ولعل ظواهر من قبيل الفساد والزبونية والمحسوبية الرشوة التي تخترق الإدارة والاقتصاد الوطنيين من أسفل الهرم حتى أعلاه تشكل حاجزا أمام كل تنمية اقتصادية وتجعل شعارات التقدم والازدهار والمشاريع الكبرى فارغة المضمون وبدون أي معنى.

إن هذا الواقع هو الذي يجعل الملايين من شباب المغرب كما باقي الفئات الكادحة، يعيش على إيقاع الفقر والإقصاء والتهميش وعدم تكافؤ الفرص. إنه الواقع الذي ينتج الآلاف من المعطلين حاملي الشواهد العليا والآلاف من المهاجرين السريين وأطفال الشوارع وفتيات الرصيف والاستغلال الجنسي. إنه الواقع الذي سيولد الانفجار في الهوامش وسيؤجج الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في المدن والأرياف. رغم الاستبداد والحكم الواحد المطلق لم يستطع النظام أن يحقق التنمية كما هو الحال في مجموعة من الدول الاستبدادية ككوريا الجنوبية، الصين، فرنسا عهد نابوليون بونابارت، إسبانيا عهد فرانكو… فالنظام أثبت في المغرب أنه غير وطني وأثبت تبعيته المطلقة للغرب.

والآن، من الواجب على شباب المغرب التعبئة القوية حتى لا تفوت الفرصة مرة أخرى. يجب البقاء في الشارع ياقظين حتى تتحقق الالتزامات الملكية وتتحقق ملكية برلمانية ديمقراطية حقيقية. فجيوب المقاومة لا تنام داخل النظام. 20 فبراير ستستمر ولا تنازل عن التغيير