حميد زيد – كود//
هذه الـ 20 فبراير التي تخلدون ذكراها اليوم أيها الرفاق ليست 20 فبراير الذي عشناها معكم.
هذه العشرين فبراير مبالغ فيها كثيرا.
هذه العشرين فبراير لم تقع.
وكأنها ليست تلك نعرف.
هذه العشرين فبراير التي تتحدثون عنها اليوم لم نرها.
وقد كنا نحن أيضا نعيش في المغرب.
كنا نحن أعداء التغيير معكم في نفس البلد.
كنا نحن المحافظين و العياشة بمختلف أطيافنا حاضرين.
و كنا نتفرج فيكم كل يوم أحد.
لكننا لم نر هذه التي تسمونها “انتفاضة مجيدة”.
وحتى الانتفاضة لم نرها.
لم نر كل هذا الزخم.
لم نر أي شيء من هذه البطولات التي تتحدثون عنها.
لم نر “الحلم” الذي تم إجهاضه.
لم نر ما تحقق حتى تكون هناك خيبة.
و لم نر ما حدث بكل هذه الجدية التي تتكلمون بها اليوم.
وبكل هذا النقاء.
وبكل هذه الطهرانية الثورية.
هذه الـ 20 فبراير خاصتكم لم تحدث أبدا.
و ربما تخلدون ذكرى أخرى.
و ربما الحنين هو الذي يجعلكم تبالغون.
و تؤسطرون الحركة.
ولذلك تظهر هذه الـ20 فبراير غريبة.
وبعيدة جدا.
ومثالية. وفكرة منزوعة من سياقها. ومن واقعها.
واكتشافا لم يكن أحد يعرف عنه أي شيء.
ولا يوجد من عاش أحداثه.
ولا يوجد شاهد عليه.
وكأن 20 فبراير كانت في ماض بعيد. وفي قرون خلت.
وليس يوم أمس.
بينما مازالت معظم الوجوه حاضرة.
لكن يصر أحياء الحركة على الحديث عن 20 فبراير باعتبارها حدثا مطلقا.
وعظيما.
ولا تشوبه شائبة.
وثورة.
و منفصلا عن محيطه.
وباعتبار أننا جميعا أموات ولا أحد كان حاضرا ليشهد.
والحال أن الحركة كانت تشبه المغاربة.
و تشبه هذا البلد الذي اسمه المغرب.
وكان في 20 فبراير جانب مسل.
وكان فيها جانب ساخر.
وكان فيها أشخاص مفرطون في براءتهم.
وكان فيها سذج.
و كان فيها أنقياء.
و كان فيها محتالون.
وكان فيها جواسيس. و كان فيها مناضلون. وكان فيها مخزن.
وكان فيها من ليس له مكان يذهب إليه.
وكان فيها ضحايا.
وكان فيها مستفيدون من الحركة.
وكان فيها من تسلقها ليصل إلى من كان يرفع الشعارات ضده.
وكانت 20 فبراير مثلها مثل أي شيء آخر في المغرب.
كانت تشبهنا تماما.
كانت بشرية. ومن لحم و دم.
كانت فيها أهواء كثيرة. ومصالح كثيرة. وحسابات سياسية كثيرة
كانت روتينا في الرباط والدار البيضاء.
وتارة فرجة.
وطورا نضالا.
و كانت في مدن أخرى بعيدة جادة. وبريئة. وتجهل ما يقع في المركز.
وتجهل الصراع على المكاسب.
وعلى القلوب.
و لذلك حين نقرأ كل هذا الشعر الذي يكتب اليوم عن 20 فبراير.
وكل هذا التمجيد
وكل هذه الأسطرة
نظنها
حدثت في مكان آخر
وفي زمن آخر.
والحال أنها كانت تمشي في الأسواق وتأكل الطعام
مثل كل الناس
و تسهر في مطعم بيتري
وفي لاسيگال
وفي وقت متأخر من الليل
كانت تدور الانتفاضة العظيمة في الرؤوس
و تكاد تسقط النظام
و في الصباح
تصطدم بالواقع المغربي.
فيتحول في لحظة الربيع إلى خريف. والشعارات المرفوعة. إلى كوميديا.
ورغم ذلك
فإنه مازال هناك من يحاول أن يضفي عليها هالة مضيئة و طابعا جادا
ولا هزل فيه.
مخلدا ذكرى حدث لم يكن موجودا.