ولا أحد يمكن أن تغيب عنه الدلالة الكبرى لخروج المعتقلين من السجن على متن السيارات الرسمية إلى المجلس للقاء الصحافة وتعميم الفرحة والإنشراح السياسي على عموم المغاربة، ولا سيما الديموقراطيين منهم.
القرار الملكي بالعفو، الذي كان المربع الإعلامي والسياسي يتداوله منذ الأيام الأولى للمجلس، جاء ليعطي صدقية كبيرة لإنشاء المجلس، كما أنه يضع أعضاءه في وضع مريح نسبيا، وهم يباشرون عملهم.
فلا الصبار ولا اليازمي يمكنهما أن يفوتا معنى هذا القرار، وهما في البداية.
لقد تأكد، أيضا، أن المجلس بأعضائه، وبقوة شخصيتهم، أكثر مما هو بالنص أو بالسياق السياسي وحده. وقد رأينا الصبار واليازمي يحجمان عن دعوة الشرطة إلى مقر المجلس الوطني في قضية الاقتحام الذي قامت به مجموعة من المعطلين الذين زاروا المقر رغبة في رفع مطالبهم، ولو بطريقة لم تكن في الحسبان.
ومع ذلك، فإن المناضل الصبار والمناضل اليازمي ظلا على صداقة نضالية مع أكبر جمعيات الدفاع عن الحق في الشغل أو الحق في التعبير أو الحق في الدراسة الخ.
ومن المحقق أن القرار الملكي الحالي، الذي تجاوب مع مطلب كبير لدى الحقوقيين، ومنهم منظمة الوسيط، التي ربطت حضورها في لجنة المانوني، بقضية الإجراءات المتعلقة بالإنفراج، هو، أيضا، قرار يتجاوز وضع الإعاقة الذي كانت تعيشه مقاربة جزء كبير من الطبقة السياسية، في البلاد أفقيا وعموديا، في تداول القضية الحقوقية، ومطالب الإنفراج السياسي.
وهو ما يفرض شجاعة كبيرة لدى من بخس هذه المطالب بالإعتراف أنه كان بعيدا عن حقيقة ما يجري. وشجاعة كبيرة، أيضا، في الإقرار بكل العيوب القانونية والحقوقية والسياسية التي مست الملف، والتي أدت إلى سجن مواطنين مغاربة قبل أن يكونوا سياسيين ونخبة.
الذي حدث هو أن الملف الأساسي الذي أسال الكثير من المداد، هو ملف المعتقلين الستة (وقد أصبحوا 5 بعد الإفراج عن نجيبي)، وهو مرتبط بقرار حل الأحزاب التي ينتمي إليها المعتقلون، وهوما يفرض إعادة النظر في القضية برمتها وفي تبعاتها السياسية، وفي كل الذين كانوا من قريب أو بعيد يقدمون للرأي العام ملفات خطيرة ومرهونة للغيب.
لنا أن نطرح السؤال الآن،لماذا كل تلك المحاكمات، في غياب محاكمات الفاسدين وبقايا نظام الريع والفاعلين في الخرائط السياسية الوطنية؟
علينا أن نملك كل الحرية في إعادة طرح الأسئلة التي جعلت الرأي العام مندهشا لكل ما تقدم؟
لكن الإجراء الحالي بما هو إجراء لبعث الثقة، يطرح، أيضا، الإجراءات السابقة، التي كانت وراء زعزعة الثقة.
ألا يمكن أن نتابع الآن المسؤولين عن ذلك، وصك الاتهام جاهز فعلا، وهو زعزعة ثقة مواطن في بلاده.
إنه لا تقل عن زعزعة عقيدة مسلم، بما أن حب الأوطان من الإيمان.
لقد اختار ملك البلاد أن يتجاوب مع شعارات الحراك الاجتماعي، ومع القوى الشعبية، ومع شباب 20 فبراير.
وهو تجاوب ينضاف إلى الخيار الاستراتيجي الذي انحاز إليه ملك البلاد عندما لم يساير موجات العصيان الذي يبادل به الحكام العرب شعوبهم كلما خرجوا للاحتجاج أو المطالبة بالإصلاح. وهو خيار استراتيجي أكد أننا نملك مقومات التقدم بدون وجل وبدون تحفظات معطلة لإرادة الأمة ولإرادة الدولة في التموقع الحقيقي مع قوى الديموقراطية في العالم.
ومن هنا، لا يمكن إلا أن نتوقع أن الخطوة الحالية حررت شبيبة 20 فبراير، أيضا، وستكون سندا لها في في دفاعها عن مغرب الحرية والقضاء العادل والسياسة السليمة.
كما أن الواقع الموضوع يثبت اليوم بأن شبيبة 20 فبراير سند للإرادة الملكية في الدفاع عن مغرب معلن، مغرب ممكن، بعيدا عن سيناريوهات الكارثة.
لقد تبين أن طي صفحة الماضي مازال عملا يوميا، ومازال في الأجندة الوطنية، وهو ما يعني أن الذين عانوا من جراء ذلك، لهم حقوق على الوطن، بالرغم من كل مشاربهم، وأننا بواسطة دولة القانون والحق يمكن أن نقيم الوطن القوي والذي يتقدم بخطى ثابتة.
تبقى خطوات أخرى في محاربة الفساد لابد منها، لكي نسير على إيقاع سليم.
وهذا موضوع آخر..