حميد زيد – كود ///

كلنا ديمقراطيون.

كلنا. كل المغاربة. وخاصة نحن الصحفيين. غارقون في الديمقراطية.

ونقدم الدروس للدولة. وللأحزاب.

وكم هي نقابتنا ديمقراطية.

ومنذ الأزل يتناوب عليها استقلالي. ثم اتحادي. ثم استقلالي. ثم اتحادي. ثم استقلالي. ثم اتحادي. وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ثم كوطا للتقدم والاشتراكية.

كأننا حصلنا على الاستقلال للتو.

كأننا في الصحافة نعيش في ستينيات القرن الماضي. ولم يقع أي جديد عندنا منذ ذلك الحين.

ولمن يريد أن يتأكد كم نحن ديمقراطيون. فلينظر إلى نقيبنا عبد الله البقالي. ولينظر إلى من قبله.

آيتان في الديمقراطية.

ولينظر إلى الطريقة التي تتم بها الانتخابات في نقابتنا العتيدة.

ولمن لم يقتنع بعد. فلينظر إلى الطريقة التي سينتخب بها ممثلو الصحفيين في المجلس الوطني للصحافة.

وكم هم ديمقراطيون.

ومن شدة ديمقراطيتهم أغلقوا اللائحة. لئلا يتسلل إليها أي صحفي “غير ديمقراطي”.

أي صحفي ابن هذه اللحظة. أي شاب. أي جديد. وكل شيء مغلق. وكل شيء متحكم فيه.

وهم أنفسهم من يلقن الدروس يوميا للمخزن.

ويرفع الشعار عاليا.

لكنه مجرد شعار. ولا علاقة له بالواقع.

بينما نحن الوجه الآخر للمخزن.

ونحن من يرفع شعار الديمقراطية. ومن يكتبها يوميا. ومن يرددها. ولا يعجبنا العجب العجاب.

وبعض الكلمات. ولأنهها تتردد دائما. فتأكد أنها غير موجودة.

كالشعب مثلا. كالحرية. كالديمقراطية.

ويندر أن تجدها في دولة ديمقراطية. وفي صحافة هذه الدول. وفي كتبها. وفي تلفزيونها.

لأنهم يطبقونها وليس لهم الوقت ليتغنوا بها.

لكننا نحن الصحفيين لا نطالب بالديمقراطية إلا إذا كانت تتعلق بالآخرين. وبعيدة عنا. وفي أول اختبار. نعتدي عليها.

ولا تخدعنكم المظاهر. لأننا أبناء هذه الثقافة. وهذه الدولة.

ونجاري السلطة. ونقلدها. وننافسها في ديمقراطيتها.

وكم نردد في المغرب هذه الكلمة. حتى أنها ومن فرط اجترارنا لها. صارت مهترئة. وخالية من المعنى. وفارغة.

الكل ديمقراطي.

لكن لا أحد ديمقراطي في المغرب.

وكلنا مخزن. وكلنا استبداد. ونقلده. ونسير على نهجه.

وهناك أحزاب في المغرب تسمي نفسها أحزابا ديمقراطية. ومطالبها ديمقراطية. وضحت من أجلها. وبذلت الغالي والنفيس.

لكنها وخلال كل تاريخها لم تكن ديمقراطية يوما.

كانت أحزابا وطنية لكن ليست ديمقراطية.

وكانت معارضة لكن لم تكن ديمقراطية.

كانت منشغلة بالنضال. وأهملت الديمقراطية. وظلت تطالب بها الدولة. ولم تفكر لحظة في المطالبة بها في أحزابها.

وليشر لي أحد منكم إلى حزب مغربي ديمقراطي مارس الديمقراطية الداخلية.

وانتخب مؤسساته بطريقة ديمقراطية.

وكاتبه الأول. وأمينه العام. ومؤسساته.

والاتحاديون يعرفون ذلك. والتقدم والاشتراكية يعرف. ولجنته المركزية شاهدة. والاستقلال يعرف.

والحروب التي وقعت في المؤتمرات خير دليل.

ومنذ القديم. ونحن ديمقراطيون. ولا نكف عن المطالبة بها. ونمضغها كالعلك.

وليشر واحد منكم إلى حزب يساري مغربي ديمقراطي. ومعظمهم كان إلى أمد قريب يراها مركزية.

وليبرالية. ولا تليق بيساري محترم. ويقبض على الجمر.

وكان يراها ترفا. ويطالب خصمه بها.

وفي كل حزب هناك مخزن مصغر. وهناك استبداد.

وإلا فمن يعرف منكم هذا الحزب الديمقراطي.

وخاصة الحداثيون. منتقدو الآخرين. أصحاب اللقب.

كلهم ديمقراطيون.

ولا أحد منهم ديمقراطي. وبمجرد أن يجتمعوا. يضحون بها. ويطردونها.

كما لو أن الصراع في المغرب هو بين غير ديمقراطيين وغير ديمقراطيين.

والرجعي فينا هو الذي طبقها نسبيا.

والذي كنا نظنه لا يرحب بها.

لكن يبدو أن العدوى أصابته هو الآخر وصار مثلنا مغربيا.

وقلدنا.

ويظن البعض أن الديمقراطي هو المعارض.

أما نقاباتنا فكلها ديمقراطية. وزعماؤها الخالدون فيها. دليل على ذلك.

والكل ديمقرادي.

الصحفيون ديمقراطيون. واتحاد الكتاب ديمقراطي. والمثقفون ديمقراطيون. والأحزاب ديمقراطية. والمناضلون ديمقراطيون.

إلا النظام

إلا المخزن

وحده غير ديمقراطي وسط مجتمع متشبع بقيم الديمقراطية.

ووسط أحزاب ترفل في ثوبها.

ومنذ عقود ونحن ندعي أننا ديمقراطيون

ودلوني على ديمقراطي واحد

أين هو

أينه

والحال أننا كلنا مخزن

كلنا نعيش في بنيته

ونتلون فحسب

ونتخذ أشكالا مختلفة

ونتنابز بالألقاب.

وقد يكون بيننا ديمقراطيون

لكنهم أفراد

وبمجرد دخولهم إلى الجماعة وإلى البنية وإلى المؤسسة

يستسلمون

ويندمجون.