حميد زيد – كود//

كنتُ خبيرا في صناعتها.

كنتُ من أكبر المختصين في كروصة لورما بالمارشي لخضر.

وفي كل عين السبع والنواحي.

كنت محتكرا لكل قطع غيارها. ولعجلاتها بالخصوص. التي كنت أشتريها من الحي المحمدي.

بحكم توفري على مورد خاص.

ولو كان هناك في تلك الفترة من يشجع الموهبة.

ولو كنا اخترنا بعد الاستقلال الاعتماد على الصناعة بدل الفلاحة. لصرت اليوم هو فورد المغرب.

ولكنت أنا هو جيوفاني أنييللي البيضاوي.

وقد تذكرت كروصة لورما بسبب مطالب ابني التي لا تنتهي.

ماذا؟ ماذا تريد يا ولد؟

بابا أريد سيارة كهربائية كبيرة. بثمن خيالي.

بينما أنا في مثل سنه كنت أتوفر على ورشة لتركيب السيارات.

وكانت لي سيارتي الخاصة.

وكانت لي عجلات من مختلف الأحجام.

وفي كل عجلة بليات معدنية بيضاء. يمكنك أن تفككها. وتلعب بها البلي.

أو تصطاد بها الطيور.

لأنها فعالة في الجباد(المقلاع) وتصيب الهدف في مقتل.

وتخترقه.

مع إمكانية استرجاعها من بطنه بيضاء كما كانت.

كما كان لي خشب كثير. ومسامير. لزوم صناعتي المحلية.

لم تكن الألعاب متوفرة. ولم يكن هناك أنترنت. ولا بلاي. ولا نينتاندو. ولذلك كنا مضطرين إلى الاختراع.

ومن لا يخترع لا يلعب.

ومن لا يصنع لا يتمتع بطفولته.

كنت مثل مولاي حفيظ العلمي في تشجيعه للصناعة المحلية.

وكانت كروصتي بمواصفات عالمية. وبجودة عالية.

ولا تحتاج إلا إلى ترخيص. ومثل الوزير عانيت بدوري من البيروقراطية.

أما شقيقتي فكانت تمشط شعر البصلة الخضارية باعتبارها دمية.

والويل الويل لمن يقول لها إنها بصلة يا مريم.

لأنها كانت مؤمنة بها وتراها دمية.

وكانت تمشط لها. وتغسل لها بشامبوان “ضوپ”. ثم تنشفها بعد ذلك.

وتلبسها ثيابا نظيفة.

ومرة قررنا أن نسافر بسياراتنا من عين السبع إلى المحمدية .

ولمن لم يجربها يوما. فإن كروصة لورما تحتاج إلى سائق. ومساعد له. الذي يشتغل مثل محرك. ويقوم بدور الدفع.

تماما كما هو الحال في الفورمولا وان.

وعندما يتعب المساعد. ينتقل إلى القيادة. ويتحول السائق إلى مساعد-محرك. وهكذا. في عملية تبادل أدوار لا تنتهي.

ولن تجد من يدفعك دون مقابل. بل الدافع-المحرك هدفه هو الآخر أن يقود.

وقد كان لي مساعد رباعي الدفع اسمه سعيد.

وكان يخدمني لأني كنت محتكرا معروفا للورمات.

وكان يأمل أن أمنحه لورمات مقابل الخدمات التي يسديها إلي.

فالوقت لم يكن يسعفنا في طفولتنا لنخترع محركا لكروصة لورما.

لأننا سرعان ما كبرنا.

بينما الأجيال التي أتت بعدنا توقفت عن البحث.

وصارت مستهلكة ولا تنتج ولا تصنع أي شيء.

إلى أن اختفت كروصة لورما.

أما في ما يتعلق بذلك السباق التاريخي المنطلق من عين السبع إلى المحمدية. عبر الطريق الساحلية. فأتذكر أننا لم نبلغ نقطة الوصول.

وبعضنا اكتفى بالوصول إلى شاطىء زنانة الصغرى.

والبعض الآخر وصل إلى بالوما.

فركنا سياراتنا في الرمال الذهبية وانطلقنا نتشلبخ في الماء.

بلا مناشف. وبلا أي شيء.

ورغم أني كنت مصنعا يشار إليه بالبنان. وأتوفر على لورمات. وعلى الخشب.

إلا أن صديقي حسن كان هو الأفضل.

كان أشهر مصنع لها في عين السبع.

وكانت له كروصة لورما بعجلات كبيرة. قبل أن تظهر الهامر.

وكان الوحيد الذي استطاع أن يصنع لسيارته مقعدا يتكىء عليه.

والوحيد أيضا الذي كان يتوفر على لورمتين احتياطيتن راكبتين في خشبتهما. خلف المقعد الخلفي. كما نرى اليوم في نوع من السيارات.

كما وضع لكروصته لوحة ترقيم. وسماها جاكوار.

كان قائدا لنا بكل ما تحمله الكلمة من معنى

وقد حاولت تقليده. لكني فشلت.

وليس هذا فقط.

بل صنعنا دراجات نارية بعلب معدنية لحليب نيدو.

وبقصبة ومقود دائري. كما ذلك الموجود في السيارات. والذي يمكنك من الانتقال من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين.

ومن تجنب حوادث السير.

ولم نكن في حاجة إلى شحن. ولا إلى بنزين.
ولا إلى كهرباء.

ولم نكن نصدع أولياء أمورنا

ولم نكن نطلب منهم أن يشتروا لنا سيارة كهربائية.

بل كنا نصنعها بأكفنا الصغيرة. ونحصل عليها بعرق جبيننا.

وكانت تدوس عجلاتها على أصابعنا

ولا نشتكي.

ولا نبكي. ولا نتخلى عنها. ولا نمل منها. ولا نبدلها بلعبة أخرى.

كما هي عادة الصغار اليوم.

أما في رمضان

فإننا كنا نقطع بها المسافة بين الصباح وأذان المغرب في لمح البصر.

ونسافر بها من العشاء إلى السحور في رمشة عين.