”

ضربة في الرأس الفيلم الأخير للمخرج هشام العسري يشبه ضربة الجزاء التي ضيعها روبيرتو باجيو و هو يفقد معها فوز فريق إيطاليا بكأس العالم.

الكبير في الكرة و الفنان باجيو الوسيم الرائع فعل كل شيء لكن أضاع ضربة جزاء في النهاية..

ليس عيبا..هو ساندروم يقع في مسارات فنانين كبار.

الفنانون المبدعون معرضون في مسار حياتهم للحظات لا يحالفهم النجاح فيها..سواء في الكرة أو في رياضات أخرى أو السينما والرواية.

هناك من الروائيين من كتب رواية واحدة فقط ثم رجع يكررها بأشكال أخرى أقل قوة من النص الأول.

هشام العسري أبان للنقاذ و المهتمين بالسينما أنه مخرج يملك قدرات فنية و تعبيرية هائلة لتقديم عمل جيد يحصد الاعتراف من الجميع.

هذا ما حصل له مع أفلام أثارت دهشة العارفين بالسينما قبل أن تدهش الجمهور العريض.

نال فيها جوائز عالمية في ملتقيات و مهرجانات كبيرة معروفة.

لقد لعب مع الكبار و لا زال.. غير أن ما وقع في قاعة سينما ريف في عرض الفيلم الجديد هو أن أفق أنتظار الذي جاء به من شاهد الفيلم أو على الأقل أتحدث عن نفسي . لم يبق في تلك الصورة المنتظرة المتخيلة..

خرجنا من القاعة دون أن نشعر بتلك الحالة النفسية التي الهزة التي تحدث عنها رولان بارت و غيره..خارجا من السينما..الفرح و المرح و الشعور بالحلم و السفر و التحليق في السماء و الدهشة و التبوريشة..

صحيح أن مشاهد السماء الزرقاء و السحب خلف لقطات مكبرة “كرو بلون ” على وجه عزيز الحطاب البوليسي الحالم بقيت محفورة في الذاكرة..

الرياح أيضا تشعر بها أنها تلفح وجهك و صوت الحسن الثاني غاضبا في خطبة شهيرة.

توظيف خطبة الملك القاسية في فيلم مغربي حمل جرأة و شجاعة كبيرة . لكن أين الحكاية؟ أين القصة؟ أين تبدأ و تنتهي؟ و هل تعمد الغموض أم أن فيلم المؤلف يلزم أن يكون غامضا بالقوة.

تشعر أن القصة ضاعت بين تقنيات التصوير والتفنن في اللقطات و المشاهد و حركات الكاميرا: ترافلينغ و لقطات بلونجي و كونتر بلونجي و غيرها من التقنيات التصويرية التي تشاهدها فيتبادر إلى ذهنك أنك سبق أن شفتها في السابق..

هل هو مجرد شعور أم هي حقيقة مشاهدة سابقة؟

لا أدري و لا يمكن أن أحكم في مجال لست خبيرا فيه عدا مشاهداتي و قراءاتي و علاقتي بالمخرجين والنقاد المشتغلين في السينما ممن أعرف..

“ضربة في الراس” قال لنا فيها المخرج البارز تعبيريا بالصورة أنني أقدم لكم سينما بديلة أخرى..غيروا نظرتكم و صححوا ثقافتكم البصرية و ستكتشفون متعة مغايرة.

لكن وسط هذا الأسلوب المركب المتفنن ضاعت القصة و الكتابة و الأحداث و الخيط الناظم إن كان يجوز للسينما خيط قصة.

العسري قال لنا : تعالوا أعلمكم فنون الصورة و اللقطات..ستدوخون حتما. لكن نسي الكتابة و الحوار الذي أتى بعض المرات لا يحرك شعرة.

في لحظة تقول أنه يبحث عن تعبير ساخر و كوميديا لكن في لحظات أخرى تقول هذه سينما دوتور يلزمها المعقول و نظرة جادة خصوصا و أن موضوع سنوات الرصاص ليس قصة سهلة..

في لحظات أخرى تقول كيف سينهي الفيلم؟ و هل سيجد النهاية المناسبة. و تشعر أنه بحث عن نقطة نهاية للسيناريو مقبولة. لكن جاءت النهاية باردة وسط شخوص مضببة .

البغلة سارطة اللجم. كأن المخرج يقول لنا :أعجبني هذا التعبير المغربي و سأوظفه في الفيلم و أجد له مكانا و مساحة و لو مقحمة. مثل قراءة سورة الفاتحة مرتين و تطوال و تمطيط في فكرة واضحة وصلت ..ثم تكرار تشكيلة لاعبي الفريق الوطني عند الطفل..

الزاكي لمريس .لمريس بودربالة.. تيمومي .تيمومي خيري..خيري لمريس..

الكرة في التلفزيون و الكرة على لسان الطفل “أخذت أكثر من حقها” و وصلت بنا الى عتبة الاشباع من الفريق الوطني و تلفزيون لا يقدم شيئا غيرالكرة.

كبار المخرجين و يعرفهم أحسن مني هشام العسري بدأوا مدافعين عن تجاربهم الخاصة المجددة و التجريبية.من أورسن ويلز في بداياته إلى جون كازافيت و جيل جارموش أو أمير كوستوريكا..

هؤلاء الكبار صنعوا أسلوبهم كما يفعل الآن هشام العسري لكنهم طوروه بالعودة إلى لغة سينمائية مفهومة ..إلى الإبداع الواضح بدل الابداع الغامض.

عمر أوشن