هشام أعناجي ـ كود الرباط//
“رد ليا درهم علاش قطعتي 6 دراهم” تحتج سيدة في الأربعينيات من عمرها أمام بائع بسوق أسبوعي لا يبعد سوى بكيلومترات قليلة عن العاصمة الرباط، بلغة لا تخلو من الغضب وعدم تقبل الارتفاع المهول في أسعار “الكرافص” قبل يوم فقط من دخول شهر رمضان.
ليس ببعيد عن العاصمة، حيث يقطن أغلب الوزراء الذين يصرحون أسبوعيا بأن “الأسعار ستعود إلى الانخفاض مباشرة بعد انقضاء فترة البرد التي أضرت بالمواد الفلاحية”، لكن واقع حال سوق “الأربعاء” يكذب كل تلك التصريحات الحكومية، واقع تجلى في الحوار الذي دار بين السيدة الأربعينية مع التاجر الذي لا يخلو من “قسوة” الأوضاع التي أصبح يعيش فيها المستهلك والبائع بالمغرب.
السيدة بان فيها العيا وستريس وغضبانة لدرجة الكشكوشة خرجات من فمها وهي كتقول للبائع :”رد لي درهم راك قطعتي 6 دراهم”، وجاوبها البائع بلغة صارمة: “هادشي لي خديتو هو ثمنو، ونتي حسبي”. هنا توقف الحوار وملامح الغضب بادية على المستهلكة المهمومة بغلاء الأسعار، واللي كتقلب تشيط درهم تزيدها دريهمات تشري خضرة أو ديسير.
الكرافص والقزبور والمعندوش وماطيشا والعدس والحمص والبصلة وغيرها من المواد الأكثر استهلاكا في رمضان، فيها ارتفاع كبير، وفي المقابل عجز القدرة الشرائية المتضررة من التضخم.
منتصف النهار.. شمس الأسعار محرقة وملامح “القهرة” على وجوه المغاربة
تشير الساعة إلى 12 زوالا، شمس حارقة وأسعار ملتهبة، الإقبال كان ضعيفا على السوق الأسبوعي “سوق الأربعاء” بمدينة عتيق عكس الأسابيع الفارطة.
في مدخل باب السوق المحاذي لمحطة البنزين، “الحمالة يصطفون لكن دون فائدة، بحيث لم يعد المستهلكون يستعينون بهم في أثناء التسوق”.
يقول “أحمد” (الحمال) البالغ من العمر 58 سنة: “هاد الغلاء خلانا بلاكا ومبقاوش ناس كيبغيو نوصلو ليهم السلعة لطوموبيلاتهم”، مضيفا بأن “الأسعار قاست كولشي ماشي غير اللي كيشري، راه مول الميكة والخنشا مبقاش كيبيعها فالسوق، ناس ولا تشري خنشا مرة وحدة وكيستعملوها كل سوق، ناس تقاست بزاف”.
يقف هؤلاء الحمالة في الباب الرئيسي للسوق، وفي وسطه وبعض الأماكن التي تباع فيها الخضر، لكن دون جدوى، فالصور التي التقطتها “كود” تتحدث عن نفسها.
ملامح “القهر” بادية على وجوه البسطاء القادمين من القرى المجاورة، الباحثين عن أثمنة رخيصة في سوق لم يعد يشبه نفسه، سوق لا يجد فيه البسطاء سوى “الغلاء”.
لقد اختفت مقولة “لا غلا على مسكين”، ولم يعد يرددها الباعة لأن الشعار لم يعد مناسبا فالكل يعلم بأن الأسعار أصبحت بيد السماسرة خارج السوق وليس داخلها.
الطماطم.. حرب التلاعب بالأسعار والجودة ضعيفة
جولة صغيرة داخل هذا السوق الأسبوعي أثمنة مختلفة داخل سوق واحد، تارة تباع الطماطم بـ8 دراهم وتارة بـ10 وتارة بـ12 دراهم،
في المدخل الرئيسي للسوق، حيث تباع الألبسة القديمة، يظهر بائع طماطم يغري المستهلكين القادمين من مختلف المناطق المجاورة لعين عتيق والصخيرات وتمارة، بالمناداة عليهم: “زيدو ماطيشا 160 ريال”.
هذا النوع من الطماطم الرخيص مقارنة مع ما أثمنة الطماطم داخل السوق، سببه الرئيسي حسب أحد الباعة هو أن تلك “الطماطم” غير طرية ومزال مطابتش، باقا خضر وصغيرة، مؤكدا لـ”كود”: “حشومة تباع هاد ماطيشا فالسوق، فين المراقبة فين السلطات”.
الحريرة وسلو فرمضان..كولشي غالي
ليست الطماطم وحدها التي تتعيش النذرة وتختلف الأثمان حولها، فقد ارتفع ثمن البصلة الحمراء إلى 15 درهم بسبب الندرة وضعف التخزين.
الندرة والأسعار الملتهبة خلات مكونات طبق الحريرة هاد العام تكون صعيبة على المغاربة، فثمن الحمص وصل لـ20 درهم، والعدس بـ16 درهم، والثمر المجهول وصل لـ150 درهم.
أما طبق “سلو”، جميع مكوناته مافيهاش الإقبال فهاد السوق، وفق ما عاينته “كود” السلعة كاينا والطلب عليها قليل، بحيث أن الزنجلان وصل لـ30 درهم واللوز كيبدا من 80 درهم وانت طالع، والكركاع فايت 100 درهم.
أما باقي المواد الأخرى، لقينا اللفت بـ8 دراهم وجلبانة بـ14 درهم وخيزو بين 5 و7 دراهم والدنجال بـ7 دراهم والباربا بـ5 دراهم.
المندوبية السامية للتخطيط: الدولة عاجزة عن محاربة المضاربين
وفي تفسير لما يحدث داخل السوق، قال مسؤول كبير بالمندوبية السامية للتخطيط، لـ”كود”: “هاد العافيا لي شاعلة فكولشي، فيها بعد نفسي، ملي كيشوف البائع ديال شي مادة كولشي تزاد كيزيد تاهو”.
وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ”كود”: “ارتفاع الأسعار بسبب التضخم، راه لي خاص المغاربة يعرفو هو أن التضخم فالخدمات أكبر بكثير من التضخم فالإنتاج (المواد الفلاحية مثلا)، ويقصد بالخدمات بالتوزيع والنقل والتأمينات والأبناك”.
وتابع المسؤول لـ”كود”: “عكس ما تصرح به الحكومة، المشكل فالمغرب هو فالمواد اللي كتنتج فلاحيا بحال الخضروات والفواكه، راه كاينا أزمة الوفرة وهادي حقيقة”.
وأكد المتحدث بأن مشكلة المضاربة عويصة بالمغرب بسبب كثرة المتدخلين، إذ يصعب ضبط هؤلاء السماسرة بدءا من الإنتاج ثم التخزين والتوزيع ثم البيع، سلسلة صعبة للغاية.
ومسألة أخرى، تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، هي أن الأجور ضعيفة جدا بالمغرب، عندما يرتفع التضخم فيجب على الأقل رفع الأجور.
وزيرة المالية: الأسعار غاتهبط فهاد الأيام.. والمواد متوفرة فالسوق
قالت نادية فتاح علوي، إن وضعية التموين في الأسواق الوطنية جيدة، مؤكدة بأن هذه الأسواق مزودة بكميات وافرة من كل المواد الأكثر استهلاكا.
وأوضحت الوزيرة، في لقاء لجنة المالية بمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، بأن العرض من المواد الفلاحية من فواكه وخضر كافي ويسد الحاجيات الوطنية.
وأفادت فتاح علوي، بأن مخزون القمح يتراوح بين 2 و3 أشهر، فيما يفوق مخزون السكر أربعة أشهر ومخزون الزيوت والزبدة أكثر من شهرين.
وأكدت الوزيرة من أن العرض من المواد الأكثر استهلاكا خلال شهر رمضان خاصة التمور والحليب متوفرة وبكميات تفوق الطلب.
أما بخصوص الحاجيات الوطنية من القطاني، قالت الوزيرة بأن المخزون كافي وأنه تم استيراد جزء مهم خلال الشهور الأولى من هذه السنة.
وأضافت علوي :”أما مخزون البنزين فإنه يغطي الحاجيات الوطنية لـ53 يوما والغازوال يغطي 29 يوما، بينما يغطي مخزون غاز البوطان 26 يوما”.
وقالت الوزيرة بأن “الخضر والفواكه تخضع لمنطق العرض ولطلب والانتاج الموسمي، وأن ارتفاع الأسعار يعود بالأساس إلى ارتفاع تكاليف الانتاج والنقص في الموارد المالية خلال السنة الماضية، وموجة البرد التي عرفها المغرب بداية السنة”…
