حميد زيد – كود ////

لا يمكن فهم مواقف وزير الشغل محمد يتيم إلا في سياق فلسفي خاص.
وليس ذلك متاحا للعامة. ولا للصحافة. ولا للطبقة السياسية.
وبحكم تكوينه الفلسفي.
وبحكم كونه درس هذه المادة لسنوات.
فهو لا يخاطب إلا أهل الباطن. ولا يخاطب إلا العقل الخالص.
ولا يخاطب إلا الروح. ويذهب رأسا إلى عمق المواطن المغربي.
ولذلك يعاني دائما من سوء الفهم.
وأي جملة. وأي عبارة. وأي تصريح. يجر عليه سخرية وسخطا عارمين.
ويغضب منه الجميع.
ويغيظ كل الناس. ويستفزهم.
لكن رجاء حاولوا فهم الرجل. ولا تهاجموه كما تفعلون دائما.
وتملوا في حكمه.
وتمعنوا في أقواله.
فإنه لا ينطق عن الهوى. ولا يتحدث. ولا يفكر. إلا داخل نسق فلسفي متكامل.

وعندما قال إنه يمكن للمواطن المغربي أن يعيش بالحد الأحدنى للأجور. فلم يكن يطلق الكلام على عواهنه.
ولم يكن يخربق.
بل كل شيء عنده مؤسس على قواعد معرفية صارمة.
بينما لا تنتبهون إلى ذلك.
وقد سبق له أن دعا المغاربة إلى السفر داخل الذات. وأعفاهم من الإنفاق. ومن تعب السفر. وغلاء الكراء في الصيف.
وفي هذا الإطار. وداخل نفس النسق. تحدث عن قدرة المغربي على العيش بالسميك.
لأن كل شيء يحدث عند محمد يتيم في الداخل.
ولا يهمه القلب. بل شغافه. ولا يهمه المال. لأنه يبقى مجرد أوراق وقطع معدنية. بل ما بداخل المال.
وطبيعي أن لا يسوعبه العامة.
وطبيعي أن يشعر كثيرون بأنه يقصد إغاظتهم.
وأعتقد أني أفهم محمد يتيم. رغم أنه فيلسوف معقد. وملتبس.
وعندما قال إن المغربي بإمكانه أن يعيش بالسميك. فقد كان يقصد العيش الداخلي.
وداخل الذات تحديدا.
وسأشرح لكم.
فبالسميك الذي يبدو لك قليلا وغير كاف أيها الغبي. فإنه بمقدورك أن تشتري شقة داخل ذاتك.
وتقيم فيها. و تفرشها. وتؤثثها بما يحلو لك.
ويمكنك أن تجعل المطبخ كبيرا. وأن تضع جاكوزي داخل ذاتك في الحمام.
ويمكنك أن تجعل من ذاتك صالونا.
ولا أوسع من شرفة ذاتك. ولا أرحب منها. لتطل على العالم. ولتتأمل السماء. والنجوم.
والذين يعيشون داخل ذواتهم. ويسافرون فيها. والذين يطبقون فلسفة محمد يتيم.
بعضهم وضع حديقة في ذاته. وزرع فيها ورودا وشجيرات.
وبعضهم وسع ذاته. وبنى فيها فيلا. في طريق زعير. شمال الكبد.
ويمكنك أن تسدد أقساط شقتك للبنك داخل ذاتك دائما.
لأن الذات هذه عميقة. وثرية. ولا تقدر بثمن. ويكفي أن تحسن استغلالها لتستخرج منها الذهب وكل الكنوز.
وهي كنز لا يفنى. وبئر لا تنضب.
كما يمكن أن تأخذ أبناءك إلى المدارس الخصوصية داخل ذاتك.
وإذا كان الوقت وقت دخول مدرسي، فاشتر لهم اللوازم المدرسية من داخل الذات دائما.
وتأكد أنها لن تبخل عليك.
فمحمد يتيم يدعو في فلسفته إلى محاورة الذات. وإلى الاستماع إليها. وإلى السكن إليها.
ولن تخذلك الذات أبدا.
وقد يخذلك الراتب القليل. وقد يخذلك الوقت. وقد تخذلك الحياة. ومتطلباتها. وقد يقسو عليك الزمن. بينما أبدا لن تخذلك ذاتك.
وبمقدورك أن تسافر فيها. وتسبح في مياهها.
وإذا شعرت بالتعب. فهي سريرك الذي تنام فيها.
وإذا شعرت بالبرد فهي الدفء.
وإذا شعرت بالفقر فهي ثرية من الداخل.
وإذا كنت تتقاضى أجرا بئيسا. فلا تتردد. واطرق بابها. ثم ادخل. ولن ينضب. ولن ينقضي. وسيذهب معك خطوة. خطوة. إلى آخر الشهر.
أما إذا أردت أن تبحث عن شريكة العمر. وتتزوج. ولم تقبلك امرأة. وعيرتك براتبك “السميك”.
فتزوج ذاتك.
ولن أحكي لك عن جمالها. وعن حنانها. وعن أخلاقها. وشعرها الطويل.
ولن أخبرك ماذا تفعل الذات في الليل.
لكن لا أحد يفهم محمد يتيم.
وفي بلاد يتراجع فيها التعليم. وفي مجتمع لا يؤمن إلا بالمادة. فطبيعي أن يغيظ فيلسوف في قامته العامة والنخبة على حد سواء.
وطببعي أن لا يفهموه.
وأن لا يفهموا أنه يمكنك أن تأكل ذاتك.
وتمصمص عظامها. وتشربها. وتنام معها. وأعرف شخص عاطلا عن العمل. ومنذ سنوات وذاته هي التي تنفق عليه.
ويصطحبها معه إلى المقهى. وتدلك ظهره. وتشتري له الماربولو. وتأخذه كل سبت ليسهر.
لكنهم لا يفهمونك يا محمد يتيم.
وكلما نطقت بحكمة يهاجمونك ويسخرون منك.
ويا عجبي
من بلاد لا تحترم علماءها
وتقلل من شأنهم.
ولا تبذل أي مجهود لفهمهم. وتطبيق حكمتهم في الحياة.
فلا حياة في الخارج
لا حياة في المال. ولا في الراتب.
لا حياة في الحياة. بل في داخلك أيها الأبله. الحياة فيك. ويكفي أن تفتح ذات وتدخل إليها.
وجرب ذلك
جربه الآن
ولن تندم. ولن تخرج منها أبدا.