خالد الحري مدير نشر “الصباح”// افتتاحية الجريدة ///
لا نريد لبلدنا أن يتحول إلى سجن مفتوح على البشاعات، وعلى أساليب الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان، مهما كانت الأسباب والدواعي، سواء من قبل أفراد، في شكل ممارسات وأفعال معزولة، أو من قبل مؤسسات.
ولن نرضى أن ينبعث “غوانتانامو” جديد بشمال إفريقيا، ونحن مجايلو عهد ملكي كانت له الشجاعة السياسية الكاملة، لطي سليم وحضاري لصفحة الماضي الأسود، عبر آلية للإنصاف والمصالحة، ونحن، كذلك، أبناء جيل وضع حقوق الناس في مكان محترم (أقرب إلى التقديس)، ضمن السياسات العمومية، وأسس هيآت ومؤسسات للوساطة، ومجلسا وطنيا لحقوق الإنسان، منصوصا عليه وعلى مقتضياته في دستور 2011، وحصلنا على ثقة العالم الذي منحنا رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
لقد قطعنا أشواطا كبيرة في تكريس منظومة حقوق الإنسان وآلياتها في عشرين سنة الماضية، ولن نسمح بالعودة إلى الوراء وضرب مكاسب أمة وشعب عرض الحائط، لمجرد أن مجموعة من الشباب والقاصرين، قرروا يوما، التوجه بحرا إلى الضفة الشمالية، في إطار هجرة غير نظامية.
في جميع الدول التي وضعتها أقدار الجغرافيا في أطراف القارات، هناك هجرات جماعية وفردية وسرية وعلنية، قانونية، وغير قانونية، مستمرة في الزمان، تخبو حينا، وتتوهج حينا آخر، حسب السياقات والظروف والمخططات والنوايا، ما يدركه المغرب جيدا، وظل يتعامل معه، على مر عقود، بذكاء سياسي وأمني وإستراتيجي يراعي موازين القوى في منطقة حدودية.
وفي كل هذه السنوات، لم يتعرض مرشحون للهجرة إلى بشاعة الاعتداء على الجسد والذات، وإلى الإذلال وانتهاك الكرامة، كما يروج حاليا من خلال عدد من الصور والفيديوهات القادمة من مدن الشمال.
لن نسبق الأبحاث التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بأوامر من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتطوان، في شأن حقيقة المشاهد المنتشرة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وضعت صورة المغرب الحقوقي على المحك في وسائل إعلام دولية.
لكن، نضم صوتنا إلى أصوات جميع المغاربة لأخذ هذا الملف بكل ما يلزم من جدية وحزم وصرامة، لا تستثني أحدا من مسطرة التحقيق، والبحث في جميع الاتجاهات والفرضيات، حتى تلك التي ترجح أن تكون هذه الصور حقيقية، أو مفبركة.
في الحالة الأولى، ينبغي أن يكون العقاب عسيرا، ودرسا لكل مسؤول (مهما كانت رتبته)، أعطى الأمر لوضع مجموعة من المغاربة عراة بملابس داخلية في وضعية جلوس مذلة، وتعريضهم إلى التصوير، وجلودهم ملتهبة من أثر السياط، ما يذكرنا بأبشع مشاهد سنوات الرصاص غير المأسوف عليها.
وفي الحالة الثانية، ينبغي أن يكون العقاب أيضا عسيرا، حتى لا يعتقد أي أحد أن بإمكانه تلطيخ سمعة المغرب والمغاربة، بتركيب صور غير حقيقية بغرض الإساءة، وترويجها على نطاق واسع عبر وسائل النشر المتاحة.
وفي الحالتين، فإن مكاسب حقوق الإنسان بالمغرب على محك “صور” ، يجب أن يكون فيها الجواب حاسما، مع الإعلان عن النتائج ونشرها بالوسائل نفسها.
العالم يراقبنا، ولا مجال لأي تماطل.