هشام أومنصور//
لقد فوت اليسار الجذري الطوباوي -المقتات على الريع الحقوقي- فرصة من ذهب لكسب بعض المصداقية في الوسط السياسي والشعبي المغربي بفشله في تبني موقف وطني إزاء الهجمة والتدخل الصارخ في الشؤون الداخلية للمملكة التي صدرت عن البرلمان الأوروبي ونوابه.
وكعادتها قامت جمعية حقوقية مغربية بالركوب على موجة العداء للمغرب متبنية قرار البرلمان الأوروبي المهين لقضاء المملكة ولسيادتها، واجترت مضامين هذا القرار منتشية بالأسلوب المتعالي لنواب برلمانيين مهرولين لاستعادة عذريتهم السياسية على ظهر المغرب.
ومازاد الطين بلة صدور بلاغ غريب من طرف بعض الحقوقيين وأقرباء معتقلين مدانين في قضايا تتعلق بالحق العام نصبوا أنفسهم كطرف مدني ضد من؟ ضد المغرب. كان حريا بهم إن كانوا يعتقدون أن حقوقهم مهضومة أن يلجؤا لقضاء البلاد أولا لكنهم يحبون الغرب.
بلاغهم يذكرنا بالمحميين من النخب البرجوازية والموريسكية في مدن المغرب قبل الاستعمار الذين رفضوا التقاضي أمام محاكم المغرب والذين اتخذهم الاستعمار مطية للتدخل في الشؤون الداخلية تمهيدا لاجتياحه للبلاد.
اليسار الجذري المتشدق بالأفكار الثورية ومعاداة الإمبريالية والغرب والمتيم بالقومية العربية البائدة لايجد أي حرج في إعطاء الغرب الحطب اللازم لتسييس حقوق الإنسان وتأجيج الحملات الدعائية ضد المغرب، معتقدين أن الغرب يهمه الوضع الحقوقي في البلاد، وهو الغرب نفسه الذي ينظر إلينا بوصفنا “كحل الراس”، ويهيننا في قنصلياته ويفرض علينا الفيزات ويستفزنا باستضافته للانفصاليين في أروقة برلمانه، ويبتزنا بقضية الصحراء ويجرجر بلادنا في محاكمه وفي المقابل تأتي حفنة من اليسار ومن نصبوا أنفسهم مدافعين عن الحقوق يعلنون في العلن اصطفافهم الديبلوماسي ضد بلادهم.
كان الأحرى بهم أخذ العبرة من الأستاذة منيب التي تحدثت باختصار وبوضوح في البرلمان قائلة أن هناك نواقص حقوقية يجب معالجتها لكن في المقابل رفضت التدخل السافر لبرلمان أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، وهي بذلك تعبر عن وعي جيوسياسي وفهم لطبيعة العلاقات الدولية وحرص على تمتين سيادة الدولة.
إن النضال من أجل تحسين حقوق الإنسان يجب أن يكون مغربيا في إطاره الوطني وإلا سيتحول المناضل الحقوقي إلى منادل عميل للأجنبي وخادم لأجندة خارجية آخر همها هو حقوق المغاربة.
إن الزلة العظمى لليسار الجذري المغربي هي فشله في استيعاب أن الدفاع عن السيادة الوطنية يأتي قبل الدفاع عن حقوق الإنسان، إذا افترضنا أن همهم فعلا حقوق الإنسان فعلا. لأن الوطن والدولة هي الإطار الذي بدونه لا يمكن ضمان أي حق من حقوق المواطنين والمواطنين المقيمين فقط المتواجدين في رقعته الجغرافية.
أما الخروقات فتقتضي نضالا مغربيا-مغربيا على غرار ما قالته منيب وماقاله قبلها اليسار الوطني الحقيقي خلال سنوات الرصاص.
إن كونية حقوق الإنسان التي يستند عليها اليسار الجذري من بين الأساطير التي نشرها الغرب الليبرالي الذي يناقض نفسه بإغلاقه الأبواب على “أكحل الراس” في عالم تعتبر فيه الدولة الفاعل الرئيس في النظام الدولي المتجه نحو فوضوية أكبر مع رجوع صراع العمالقة باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتبدد أساطير فوكوياما وغيره من هواة التكهن الليبرللي.
على المنتشين بقرار البرلمان الأوروبي أن يكونوا على علم أن هذا البرلمان مرتع لأصوات نشاز وأحزاب قزمية في أوروبا وأن يكونوا على وعي أن من يفرض عليك الفيزا ويبتزك بتقسيم بلادك لايمكن أن يكترث لحقوقك إلا إن كان في ذلك مصلحة له من أجل التدخل في شؤونها الداخلية.
لتوضيح الأمر أكثر، الاتحاد الأوروبي كمثل شيخ ميسور يعيش في فيلا بسور كبير وله جار كثير النسل يقطن في بيت متواضع مع زوجته الجميلة، وكلما سمع الشيخ الأوروبي صراخ طفل بسبب أو بدون سبب إلا وهرول ليدق باب جاره لكن مايهمه ليس رفاه الأبناء وإنما أن ينكح زوجة جاره في يوم من الأيام.
البرلمان الأوروبي سليل نهج ليبرالي في العلاقات الدولية يعتقد أن من واجبه استعمال حقوق الإنسان وفرض إملاءاته على دول ذات سيادة، واليسار الجذري المغربي يطبع مع هذا الوضع وكأنه حتمية تاريخية، مثل البرلمان الأوروبي في سرابه كمثل جورج بوش ومن تبعه من رؤساء أمريكا الذين يعتقدون أنه يمكن فرض ديمقراطيات في الشرق الأوسط بقلب الأنظمة الديكتاتورية.
إن حقوق الإنسان والدمقراطية لن تكون لها قيمة ولا استدامة في المغرب إلا إذا كانت نابعة من نضال ومسار وطني خالص بعيدا عن العمالة للأجنبي والاحتماء بمنظمات الغرب الغارقة في النفاق السياسي.