يتحدث الناس عن مشاكل السياسة والسياسيين, يهز هؤلاء الأخيرون رؤوسهم جماعة, ويؤكدون أنهم متفقون جملة وتفصيلا مع الشعب في أن المجال الذي ينشطون فيه هو مجال فاسد بالفعل تسرب إليه المتطفلون والفضوليون والأدعياء وأصبحت علاماته الأبرز هي مجموعة من الجهلاء الذين يبدو لهم أن الحل الوحيد لإنقاذ أنفسهم ومساراتهم الشخصية هو أن يحاولوا ركوب باخرة السياسة مثلما تمخر عباب هذا الوطن.
جميعهم يدينون الوضع السياسي المائل. جميعهم يستنكرون يد الدولة الطاغية على تشكيله, جميعهم يقول إنه متضرر مما يقع وإنه يحلم بغد آخر يستطيع فيه أن يبرز قدراته السياسية التي لم يسمح له المتحكمون في كل شيء أن يبرزها. لا, بل إن طبقتنا السياسية الغريبة اكتشفت لعبة "أكثر وقاحة" هي تلك التي ينخرط فيها بعض الوزراء, الذين لا يتورعون عن انتقاد القطاعات التي يسيرونها بدعوى أن لاسلطة لهم عليها, وأن اليد الخفية إياها هي التي تتحكم فيها حقا. "إيوا قدم استقالتك آحنيني". هذه المسألة لاتوجد في قاموس السياسيين المغاربة. هم شيء أشبه مايكون بقضاء الله وقدره, لا يرتفعون عن ناظرنا إلا إذا تذكرهم سيدنا عزرائيل رضي الله عنه وأرضاه. فيما عدا ذلك هم باقون مهما قالوا ومهما نددوا بالوضع السياسي الذي يعدون _ للمفارقة الماكرة _ علاماته الأبرز.
ينتقد الناس الرياضة وتسييرها الردي, يوافقهم الرأي وزير القطاع وكل المسؤولين عن الأندية والجامعات الرياضية. لا, بل يصل "الهبال" مداه حين تصل رسالة ملكية قاسية إلى مناظرة رياضية تنتقد الوضع في هذا المجال وتعلن الحرب على الفساد والمفسدين فيهو فيهلل الكل لهذه الرسالة ويعتبرونها لاتعنيهم في شيء. "المسؤول اللي سولتيه عليها يقول ليك راه على الأخرين".
في الختام لن تجد واحدا منهم يتحمل مسؤولية وضع مائل مثل هذا الذي نحياه الآن, ولا يمكنك أن تتخيل يوما منصف أو علي أو غيرهما من الرؤساء المزمنين للجامعات والفرق الكسيحة في البلد وهو يأتي إلى التلفزيون لكي يقول لك "نعم أخطأت في هذه مثلا", "نعم, ارتكبت خطأ جسيما عندما مررت لسونارجيس ملعب مراكش الكبير على عينيك أبن عدي", "نعم أنا لا أصلح رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لأن الشروط القانونية لهذه الرئاسة غير متوفرة في", "نعم أخطأنا معا حين أتينا بمدرب أندية لكي يقود الفريق الوطني نحو الهلاك". مستحيل, هذا أمر غير قابل للتخيل في بلد مثل المغرب كل مسؤوليه يعتبرون أن الآخرين فقط هم الذين يخطئون, أما هم, فمعصومون, ليس بسببب ازدراد "الكرموس الههندي", ولكن بسبب صلافة لانعرف سببها الحقيقي على وجه التحديد.
في الاقتصاد, في الثقافة, في البيئة, في المجتمع, في الصحة, في التعليم, في العدل, في كل المجالات الأخرى, تتكرر المسألة بشل فادح للغاية. لاأحد مسؤول عن الوضعية الكارثية التي تعيشها هذه القطاعات. هي ولدت هكذا وقدرها أن تستمر هكذا إلى مالانهاية, ولا ينبغي لك أن تطالب بمسؤولين تحاسبهم وإلا فإنك ممن يرغبون في مطاردة الساحرات ويريدون زرع الفتنة في البلد.
طيب, تمر حينها إلى المرحلة الأعلى من الكلام, وتقترح أن يتم الاستغناء عن هذا الجيش العرمرم من "االلامسؤولين" مادامت هذه الميادين التي يسيرونها تسير من سيء إلى أسوء بسببهم, وتقول إنه من اللائق أن نجرب عدم تكليف أي جهة بها, وتركها تسير على هدى من الله وبصيرة, ربما انصلح حالها من تلقاء ذاته. حينها يتذكر هؤلاء الإخوة أنهم مسؤولون, أو يتذكرون بالتدقيق الرواتب الشهرية السمينة التي يتقاضونها نظير "لامسؤوليتهم", ويتذكرون معها كل الامتيازات المرافقةو فتبدو لك بالفعل الشراسة التي لم يمتلكوها يوما في عملهم, وقد أصبحت لها الكلمة الفصل, وتراهم وقد أشهروا من الأسلحة أشدها فتكا وأبرزوا أنهم ليسوا فاشلين في كل شيء, وأنهم على العكس من ذلك ناجحون بامتياز في الدفاع عن الشيء الأساس الذي يحركهم: مصالحهم الخاصة.
للأسف الشديد, هذا المنطق لم يعد ممكن الاستمرار اليوم. ملك البلاد يصلح أخطاء هؤلاء المجرمين المرة بعد الأخرى, وهم مستمرون في ارتكاب المزيد من الجرائم, وانتظار جلالته لإصلاحها كل مرة, لكنه يوما سيقول لهم بعد أن يتعب منهم, ويقتنع أنهم ضد المغرب بكل اختصار "إذهبوا لحال سبيلكم فأنتم لاتصلحون لشيء على الإطلاق".
في الختام ذلك مايريده الشعب حقا: أن تذهب الأذرع المكسرة إلى حال سبيلها, وأن تعطينا فرصة أخيرة وثمينة لنماء البلد دونها هي التي تتقن التدمير والهدم فقط.