فإذا كان وزراء السيادة كبدعة مغربية يمكن فهم بعض ملابساتها في الماضي، فإن الذي يحصل اليوم مع وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري، يحيلنا على ما هو أخطر.
فقد وضع وزير السفراء الحدود التي يمكن أن يصلها الدستور، وكذا الحد الذي لا يجب أن يصله الإصلاح.
فقد توجه السيد الوزير، بابتسامته الهوليودية المعفاة من أية ضريبة سياسية إلى الرأي العام الأمريكي عن طريق مؤسسة بوكينغ، وقال إن السقف الدستوري المرتقب هو كيت وكيت، وأن الملك سيحتفظ بكذا وكذا.
ولحد الساعة لم يقرأ أي واحد في المغرب ( اللهم الذين يتجولون كثيرا بين العواصم ربما) كلاما مثل هذا في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس.
الوزير الفاسي الفهري، الذي يفهم في العلاقات الطيبة مع الدول الأجنبية، لا يبدو أنه له نفس العطف مع أبناء الشعب، وأبناء الطبقة السياسية في المغرب.
لحد الساعة لم يقدم لنا السيد الوزير كل الفتوحات التي حصل عليها بمجهود مهني صرف، وكل ما يحصده المغرب، بفعل الخطوات الجبارة التي قطعها على مسار الديموقراطية والبناء الديموقراطي.
الرأي العام المغربي يفهم ما معنى السقف التاريخي، وهو لا يعتقد بأن الديموقراطية يمكنها أن تتحدد في كلام، ولو بلغته التي يتداولها، مجالات صناعة التاريخ والديموقراطية.
وهو، ولا شك، سيسخر كثيرا من وزير خارجية جاء لكي يقول لهم بأن الإصلاح الذي يقع في المغرب سيقف عند قدميه!!
ولأنه وزير الخارجية فلن يقبل أن يشتغل إلا مع الملك.
والحال أنه يمكن أن نستغني عنه جملة وتفصيلا، ولن نستغني عن الديموقراطية التي تشكل المفتاح السحري لبلادنا في ربح قضيتها الوطنية.
والحقيقة، لمن يضع الفاسي وباسم من، الحدود والخطوط الحمراء؟ هل للجنة، أم للأحزاب أو للملك نفسه؟
لأن الملك يسمع من يتحدث عن ملكية برلمانية، وعن اختصاصات ستنزع من المؤسسة الملكية، ولا يبدو أن ذلك يقلقه في هذه اللحظة التاريخية المفصلية؟
باسم من يتحدث الفاسي الفهري إذن؟
باسمه؟
كان عليه أن يبدي رأيه، وقد اتخذ لنفسه الاحتياطات اللازمة، لكي لايجزم.
ويمكنه أيضا أن يتوقع أن السيادات، هذه البدعة المغربية المحترمة، تبدأ من قرار الاستقلالية والاستقالة.
ليقدم استقالته ويدافع، كالكثير من الأحزاب والفعاليات، عن هذا التصور الذي يراه مفيدا للبلاد والعباد والقضية الوطنية.
السيد الفاسي الفهري، إن كلامك سيفقدنا احترام الرأي العام الديمقراطي في العالم الذي نعول عليه كثيرا في البلاد لكي ننتصر نهائيا في قضية وحدتنا الترابية.
السيد الفاسي الفهري ليست هناك ضمانات بأن الناس في هذا العالم سيفكرون مثلك وبنفس الاحترازات التي يمكن أن تكون لك.
وكان عليك ان تعرف أننا، في وسط هذا الحراك العربي العاصف، البلد الوحيد الذي يعيش أشكال تطوير ديموقراطيته، والحفاظ على وحدته الترابية، ونحن البلاد الوحيدة التي عليها أن تبني الديموقراطية لكي تحافظ على وحدتها، وعليك قبل أن تفتح فمك أن تفتح عينيك على مجال اشتغالك..
إن أحسن تفسير لموقفك كان هو .. الصمت!
وإذا كان لك لابد من أن تخوض حربا، ما فعليك إلا أن تفكر كثيرا قبل أن تخوضها ضد المصلحين من شعبك … حتى قبل الأوان. لأن الحديث عن سقف المطالب وحدودها ليس من اختصاص الديبلوماسية بكل صدق.
ولنا مشكلة حقيقية في وضعيتك، هو هذا المنحى في محاولة تقليد بعض الديبلوماسيين العرب في الدول التي تعيش وضعا صعبا.
لا نريد منك ذلك أيها الديبلوماسي أن تكون الشرطي الكبير على التاريخ وعلى الإصلاح، كما كان نابليون يصف الديبلوماسية أنها مهنة البوليس مع تقدير بروتوكولي كبير. المطلوب أن تقول للعالم أن الحقل السياسي المغربي اليوم مفتوح بشكل لم يسبق له مثيل، وأن المغاربة يتدارسون أحسن الإمكانيات لكي يصنعون قدرهم المشرق، وأنهم يعرفون الأسئلة التي عليهم طرحها والإجابة عنها.
وختاما، عليك أن تتأمل قولة دوغول الشهيرة «إن الديلبوماسيين لا يصلحون إلا في الجو الصحو، وما إن يبدأ المطر حتى يغرقون في كل قطرة»!