حميد زيد – كود ///
ما أحلى العيش في المعارضة الأبدية.
وما أريح أن تظن نفسك الأنقى. والأخير. ومن وحده يمتلك الحقيقة. ومن وحده على صواب.
وكل من يختلف معك فاسد.
وكل من له رأي آخر مشكوك في أمره.
ويكون خطابك حينها مسموعا. ومفهوما. وواضحا. ولا لبس فيه. وتنال عنه التصفيق. وتحظى بالشعبية. وبالاحترام. وتنعت بالمناضل. وبالبطل. وبالحر.
وقد كان الوازن فؤاد عبد المومني يعيش في هذا الترف.
وقد كانت الوازنة لطيفة البوحسيني تنقطنا. حسب هواها. وميولاتها.
وقد كان كريم التازي يختار كل مرة حزبا يصوت له. وكان ولا يزال مناضلا مدللا.
وفي أول مبادرة لا تساير جو المقاطعة اللذيذ قام بها الوازنون. جربوا لأول مرة كم هو قاس ومكلف أن تقوم بشيء ما. وأن تخالف من يصفقوا لك. ومن عودتهم على أنك مع “الشعب” دائما. ومعارض دائما.
وأقرأ اليوم تبريرات الوازنين وأضحك.
ولا يستطيعون إقناع أحد. ويتلعثمون. وتقول البوحسيني إن النداء هو من أجل بعث الروح في المقاطعة بعد أن انتبهت إلى خفوت وهجها.
فيا لحرصها على المقاطعة.
ويا للمسؤولية الملقاة على عاتقها. ويا لالتزام القيادة بتوجيه الجماهير.
ويذهب فؤاد عبد المومني أبعد من ذلك، ويصرح لهسبريس”قدّرنا أن ثمن انطلاق النقاش العمومي بآراء مختلفة سيكون هكذا في ظل مجتمع يتلعثم في تعلم التعددية والاختلاف والنقاش”، ولذلك”كان من الطبيعي أن تصدر عنه ردود فعل بدائية كهذه”.
وقبل فترة كان عبد المومني هذا بطلا في توزيع الشتائم على كل من يختلف معه.
وكان لا يعجبه شيء.
وكنت ردود فعله “بدائية”، ومتهمة، ومخونة، ومحقرة، وعدوانية، لكل من يرفض أن يمدحه ويمدح شلته.
وكان “يتلعثم في تعلم التعددية والاختلاف والنقاش”.
وفجأة انتبه إلى تلعثم المجتمع. ولم يجد من حيلة إلا هذه. ليخرج من الورطة التي وجد نفسه فيها.
وفجأة صار المجتمع هو المشكل، و صارت ردود فعله بدائية.
وصفقْ لي. وامدحني. وقدسني. وإلا أنت بدائي.
وعلق مقاطعة الحليب لعشرة أسابيع. ولا تتساءل. ولا تحاول الفهم. ولا تستغرب. ولا تضحك. وإلا أنت تتلعثم في تعلم التعددية والاختلاف والنقاش.
والويل لمن يشكك في نوايا الوازن.
والويل لمن لا يفهم نداءه.
فالوازن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والوازن هو الذي يوزع الصكوك. وهو الذي من حقه أن يشكك. وأن يشتم ويسب.
وهو الوجه الآخر للسلطة التي ينتقدها.
وهو استبداد مواز. وقد يعاقبك. وقد ينال منك. إن أنت شككت في بطولته.
ولا يجادله أحد في ذلك. لأن مهنته مناضل. والمناضل لا يخطىء. والمناضل لا يساوم. ولا يضعف. وكل ما يقوم به جيد. وتقدمي. ويساري. وبطولي. وضد الدولة الفاسدة.
وفي أول اختبار نسوا السلطة. ونسوا القناعات. ووجدوا أنفسهم متهمين، كما كانوا هم يتهمون غيرهم.
وصوب وازن منهم مدفعيته نحو المجتمع وردود فعله البدائية.
وعيب عليك يا مجتمعا يتلعثم أن لا تحترم الوازنين. وتقدرهم.
يا غبيا.
يا من لا يمنح فرصة لشركة دانون.
وفي أول مبادرة منهم تخلوا عن إطلاقيتهم السابقة. وعن مانويتهم. وصاروا ينتقدون المجتمع. بعد أن كانوا يدغدغونه. وينصبون أنفسهم ناطقين باسمه.
ولا أحد في البلد إلا هم.
والكل فاسد إلا شلتهم. ومن يدور في فلكها.
وهم النخبة. وهم الطليعة. وهم المؤثرون. والفاعلون. وعلينا أن لا نزعجهم. وعلينا أن نحترمهم. ونرفع لهم القبعة. ونهتف بأسمائهم. مهما فعلوا.
وأن نبذل مجهودا. ونتعلم الاختلاف. ونتجاوز بدائيتنا.
ونقول لهم برافو.
برافو على النداء العميق. وغير المفهومة دوافعه. ولا الحاجة إليه. ولا هذا الدفاع المستميت عنه.
ولا هذه اللعثمة. التي لم نتعودها من كل هؤلاء الوازنين.