كود كازا//
تتحول الندوات الصحفية لوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري دائما، لمنصة سياسية لمحاكمة البرنامج الحكومي ونوايا الحكومة في عدد من القضايا الأولوية كالبطالة وخلق فرص الشغل.
وإذا كان تحديد السياسة النقدية من صميم عمل والي بنك المغرب، والتي تتحكم بدورها بشكل كبير في النمو الاقتصادي السنوي، فإن الجواهري دائما ما يشرد به الذهن نحو الإفتاء في مواضيع مجتمعية وسياسية بامتياز.
وتبدو المنصة الصحفية التي يوفرها عقد الندوات الصحفية لبنك المغرب حدثا يحظى بالمتابعة، خصوصا لدى الأصوات المعارضة للحكومة، ومعها يتحول الجواهري لطرف سياسي فاعل في الحياة السياسية ومرجعا ” رسميا ” لدعم الأطروحات المعارضة.
يبدو كذلك أن الجواهري دائما ما يلجأ لرفع المسؤولية عنه، وبشكل ممنهج، يعتبر أن بنك المغرب وسياساته النقدية ليست هي المسؤولة عن حل الإشكاليات الاقتصادية للمغرب، ويمر لانتقاد بعض السياسات الحكومية في كل مرة.
هذا الوضع المريح لوالي بنك المغرب، وكأنه فاعل خارجي وجمعية مدينة وليس مؤسسة رسمية، تعمل بشكل وثيق مع أي حكومة منتخبة، يزيد من راحة والي بنك المغرب وهذه المؤسسة التي تبدو أنها مرتاحة في هذا الدور التوجيهي و ” النصائحي “.
في حين أن أدوار أي بنك مركزي في العالم، هو القيام بقرارات اقتصادية جريئة أو محافظة، والعمل بشكل دوري كالرفع أو الخفض من سعر الفائدة الذي يعد قرارا مصيريا في اقتصادات الدول، لكن الجواهري يفضل أن لا يفصل في الإبقاء على نفس النسبة، والشرح المستفيض، بل يفضل التعريج على حادث الفنيدق والبطالة من أجل توجيه النقد المبطن للحكومة.
خلاصات الجواهري خلاصات عامة، فأصغر شخص في المغرب يعرف أن التأثيرات المناخية كان ويسكون لها تأثير على النمو الاقتصادي، وأكبر شخص يعرف أن الحرب التي توشك على الاندلاع في لبنان سيكون لها تأثير قوي على أسعار البترول وبالتالي ستنعكس بارتفاعات متتالية على الأسعار.
لكن ماهو البديل الذي يقدمه الجواهري على مستوى السياسة النقدية لدعم النمو الاقتصادي؟ ماهو البديل من أجل كبح التضخم؟ لا شيء فقط عناوين كبيرة، وقصص اجتماعية من وحي الواقع أو الخيال، يتحول معها مسؤول سامي لمؤسسة من المفترض أن تكون في الصفوف الأمامية للتفكير الاقتصادي، لشخص من العامة أو فاعل سياسي معارض.
وعلى ذكر السياسة يتناسى الجواهري أنه كان يوما ما وزيرا للمالية في الثمانينات من القرن الماضي، وليس في أي فترة عادية، بل في صلب وعز سنوات التقويم الهيكلي، التي لا زال المغرب يحمل آثاراها وهواجسها إلى اليوم.
لقد كان الجواهري أكثر من غيره المسؤول الأول على تنزيل برنامج التقويم الهيكلي القاسي، بتنازلاته وإكراهاته، ويعرف أكثر من غيره تحديات السياسة وتقلباتها.
إرث التقويم الهيكلي يبدو أنه لا زال حاضرا مع الجواهري إلى اليوم في قراراته المحافظة والحذرة، لكن أن يتعداه بأن يكون فاعلا سياسيا يحل محل المعارضة البرلمانية وبشكل متكرر فإنه أمر يدعو للاستغراب.