الوالي الزاز -كود- العيون/////
[email protected]

بعثت الدينامية الدبلوماسية التي أطلقها الملك محمد السادس في سبيل ترسيخ الوحدة الترابية للمملكة المغربية الأمل في عودة النقاش حول سحب نزاع الصحراء من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة من عدمه، لاسيما وأن دولا فاعلة دوليا وأعضاء دائمين بمجلس الأمن باتوا يدعمون خيار مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، ويتعلق الأمر بثلاث أعضاء من أصل خمسة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا مؤخرا، لتتبقى روسيا والصين.

وعلى ضوء الدعم البريطاني لمبادرة الحكم الذاتي زادت التكهنات حول حدوث رجّة بنزاع الصحراء تتعلق بسحب هذا النزاع الذي طال أمده والمستمر منذ 5 عقود من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، وحدوث مفاجأة تتزامن مع تخليد الذكرى الخمسين لعيد المسيرة الخضراء، وهي المفاجأة قد تنقل منطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي نحو مستوى آخر وترسم واقعا جديدا.

وقبل الحديث عن سحب ملف الصحراء من عدمه من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، توجب الحديث وطرح إستفهامات واقعية أولا حول أسباب ظهور مقاربة السحب وما الذي غذى هذه الفكرة؟ وظروفه وكيفيتة والتدابير المرتبطة بذلك، وهل المملكة المغربية مستعدة لذلك ؟

أسباب ظهور مقاربة سحب نزاع الصحراء من اللجنة الرابعة

ظهور مسألة سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة لم يأتي من فراغ، بل جاء على ضوء سياق مهم يعيشه نزاع الصحراء تميز طيلة الأربع سنوات الماضية بتسجيل مواقف جديدة بخصوص الملف، بل مواقف واضحة ومباشرة داعمة لمغربية الصحراء ومن قوى عظمى ودول عضوة دائمة بمجلس الأمن، وهو الأمر الذي كان إلى وقت قريب يبدو مستحيلا.

هذه المواقف المجاهر بها تم الإفصاح عنها بفضل الدينامية الدبلوماسية التي أطلقها الملك محمد السادس، من خلال فتح قنصليات في الصحراء تجاوز عددها 38 قنصلية، وإنتزاع مواقف صريحة على غرار الموقف الأمريكي والفرنسي والإسباني ومواقف عربية وأفريقية وأمريكية لاتينية، ليتجاوز عدد الدول التي تدعم سيادة المملكة المغربية المائة دولة، وهو رقم مهول وضع خصوم الوحدة الترابية للمملكة في حرج كبير، بل أبطل أطروحة الجزائر بكونها مجرد بلد جار وفضح أمرها بصفتها طرفا أساسيا في النزاع حول الصحراء يكتفي بردات الفعل وبيانات بلغة صدامية وليدة خطابات التعصب والكراهية للمغرب.

هذه المواقف المعلن عنها جهارا نهارا، خاصة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وقوى أوروبية أخرى جعلت من مقاربة سحب النزاع من اللجنة الرابعة تطفو على السطح، بيد أن المرور نحو التطبيق ليس بتلك السهولة ويمر عبر تدابير وإجراءات معقدة.

شطب نزاع الصحراء من اللجنة الرابعة.. أين الطلب ؟

يفرض سحب النزاعات أو الملفات من اللجنة الرابعة على الدول المعنية تقديم طلب للجنة في هذا الصدد، بمعنى أن المملكة المغربية يتوجب عليها تقديم الطلب رسميا للجنة التي تقوم بدورها بدراسة الطلب وما إذا كان سيتم إدراج النقطة ضمن جدول أعمالها من أجل البث فيه، وهو ما لم يتحقق إلى حدود هذه اللحظة.

عدم تقديم المملكة المغربية لطلب سحب الملف ليس تقاعسا أو عدم رغبة، بيد أن ذلك يحتاج المزيد ثم المزيد من الجهد، والمزيد أيضا من المساعي لإقناع الدول أعضاء الأمم المتحدة بالسحب، أي أنه وعلى الرغم من توالي الإعترافات ودعم مغربية الصحراء، فذلك لا يبدو كافيا حاليا، خاصة أن هناك دولتين إثنتين عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي لا تتوافقان مع الطرح المغربي، وهنا القصد هو روسيا والصين، إذ أن العلاقات المستقرة والدينامية الإقتصادية والتجارية التي تجمع الرباط بهما لم تشفع لتحقيق الإعتراف بمغربية الصحراء والإتساق مع التصور المغربي، وذلك يعني أولا عدم وجود توافق بين الدول الخمس ذات العضوية الدائمة أولا قبل وجود أي توافق على مستوى اللجنة الرابعة ثم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة -الجمعية العامة-  وعددها 193 دولة.

وبالتالي فإن عدم وجود طلب رسمي مغربي يتعلق بسحب الملف من اللجنة الرابعة ينقصه أولا التوافق بين الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، قبل المرور نحو البحث عن إستمالة اللجنة الرابعة، وكذا ما تبقى من الدول الـ 193 العضوة في الأمم المتحدة المعنية بالتصويت على سحب الملف، الشيء الذي يحتاج وقتا ودعما أكبر دوليا وإنتظار الظرفية اللازمة والسياق الجيوسياسي الملائم.

سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة.. إجراءات وتدابير وأمد زمني طويل

سحب الملفات من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة يمر عبر عدة قنوات رئيسية، من ضمنها حل النزاع وهو الأمر الذي لم يتحقق، وكذلك وجود قرارات لمجلس الأمن سارية حول النزاع ووجود “مينورسو” التي تحتاج بدورها قرارا من مجلس الأمن الدولي لحلها، وأيضا نتيجة لإعتبار الملف ملفا لـ “تصفية الإستعمار” وهو المبدأ الذي تؤطره مواثيق الأمم المتحدة المُلزمة لكل دول العالم، وهو أكبر العراقيل أمام تقديم الطلب المغربي.

ومن جانب آخر، وفي حالة تحقق أي مما سبق، يمكن للمغرب تقديم طلبه الرسمي للجنة، إذ يحتمي هذا الطلب بتوافق الدول دائمي العضوية بمجلس الأمن وأغلبية اللجنة الرابعة، وأغلبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة وإلتفافهم حول مقاربة واحدة داعمة لمغربية الصحراء، قبل الإنتقال لعرض الطلب بجدول أعمال دورة اللجنة الرابعة، وفي هذه الحالة يتم التصويت عليه، ورفع توصية للجمعية العامة للأمم المتحدة قصد دراسته وتقديم الطلب للتصويت أيضا، مع العلم أن ما يصدر عن اللجنة الرابعة يعد توصية فقط وليس قرارا ملزما.

تصويت اللجنة الرابعة واصويت الجمعية العامة يعد الجزء الأكثر صعوبة بعد مسألة ما قبل تقديم الطلب، بحيث يتوجب على المملكة المغربية إقناع القوى الدولية بالتصويت لصالح سحب الملف في حالة ما وافقت اللجنة على إدراج نقطة السحب، أو حتى مواجهتها سياسيا، وهو ما سيفتح الباب أمام صدام حقيقي معها، قد تكون المملكة المغربية في غنى عنه لاسيما على مستوى الإتحاد الأفريقي وأمريكا اللاتينية وشمال أوروبا، حتى وإن كانت الدول الخمس ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن خلفه.

مرحلة التصويت في حالة المرور نحوها لا يمكن ان يكون العمل عليها بين ليلة وضحاها، أو وضع أمد زمني محدد لها، أو حتى طرح سقف زمني لها كالإحتفال بالذكرى الخمسين لعيد المسيرة الخضراء، بل تحتاج أمدا زمنيا كبيرا وحضورا دوليا فاعلا وتأثيرا قويا لعدة سنوات، وإنتظار الظرفية الدولية الملائمة، وهو ما يعمل عليه الملك محمد السادس من خلال إطلاق الدينامية الدبلوماسية التي نعيشها الآن وقد تحتاج إستمرارية وشمولية أكبر لدول العالم.

نزاع الصحراء.. حالة خاصة بأقليم غير متمتع بالحكم الذاتي

يسعى المغرب لشطب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، بيد أن الإجراءات والتدابير فيما يخص ملف الصحراء وعلى غرار 16 إقليما آخر غير متمتع بالحكم الذاتي، يمكن أن تعرقل ذلك منذ الوهلة الأولى ودون حتى المرور لمناقشة المسألة أمام اللجنة الرابعة.

لماذا ؟ لأن إجراءات شطب الملف فيما يتعلق بالأقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي يجب أن يتحقق فيها مبدأ تقرير المصير أو الإستفتاء أو إستشارة ساكنة الإقليم أو تسوية الملف بشكل نهائي بين المغرب وجبهة البوليساريو -الأطراف المعترف بها أمميا-، الشيء الذي لا يتوفر في النزاع على ضوء تسجيل سعي طرف واحد لسحب الملف دونا عن المعني الآخر بالملف.

خلاصة:
سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة يحتاج وقت طويل وظرفية دولية ملائمة، ويحتاج أيضا توافق دولي وعمل سياسي وقانوني كبير على مستوى الأمم المتحدة والعالم، ولكن كل ذلك يمر حصرا عبر قناة تحقيق تسوية النزاع بين الأطراف أو إنجلاء أسباب النزاع عبر تحقيق مبدأ تقرير المصير، بيد أننا كمغاربة نثق في الدبلوماسية الملكية ومصطفون خلف الملك محمد السادس لإنهاء معاناة الصحراويين الإنسانية والإجتماعية بإعتبارهم جزء من الأمة المغربية، تلك المعاناة الممتدة لخمس عقود برعاية قوى التشرذم.