هند لگلاوي – كود//

تثير الحرب على إيران اهتمام المغاربة كما يظهر في مواقع التواصل الاجتماعي. وهو اهتمام طبيعي بالنظر إلى ثلاثة أسباب:

أولا، الروابط الثقافية (الدينية واللغوية) مع بلدان الشرق الأوسط،

وثانيا، ظروف الحرب الجزائرية على المغرب منذ 50 عاما على الأقل، وما اقتضاه جهاد بلادنا لصدها من خيارات دبلوماسية أبرزها الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، البلدان اللذان ينفذان العدوان على إيران، بينما هي تؤيد أعداء وحدتنا الترابية.

يجب التذكير هنا، بين قوسين، بأن هذا الخيار الدبلوماسي حاسم لأنه فتح أما بلادنا إمكانية جدية لطي مرحلة تاريخية كاملة أخضعتنا خلالها فرنسا واسبانيا للاستعمار الجديد، كما كان الشأن في معظم بلدان إفريقيا، بفضل الجزائر التي جعلتنا رهائن الدعم الفرنسي في حده الأدنى والحياد الاسباني والتلون الأمريكي على مدى عقود مقابل رهن أسواقنا ومصالحنا بهذه البلدان… دون أن يكون لنا حق الخيار

الجميع رأى كيف زعزع المغرب هذا النظام النيوكولنيالي لصالحه منذ الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

أما السبب الثالث لاهتمام المغاربة بالحرب على إيران، وهو الأهم في الواقع، فيرتبط بمشاعر الحقد تجاه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين منذ 7 أكتوبر، بل ومنذ احتلال فلسطين…

فمن شدة السخط والعجز يبتهج المرء لأي ضربة يتلقاها قتلة الأطفال

هذا الشعور طبيعي، إذا بقي في نطاقه الخاص، نطاق المشاعر والتعبيرات التلقائية الجماهيرية

لكنه يصبح غريبا عندما تبنى عليه أردود أفعال نخبوية يمكن أن تصدر عن زعماء سياسيين أو إعلاميين أو أكاديميين، اعتبر بعضهم أن دعم إيران هو الموقف السياسي المطلوب من الدولة المغربية لكونه “واجبا دينيا”، وحذر البعض الآخر من أن هزيمة إيران تعني نهاية العرب والمسلمين…

فهل هي نهايتنا فعلا ؟ بما أن المغرب والمغاربة جزء من هذا الكيان العربي الإسلامي المفترض؟

الواقع أن هذا التساؤل، بالضبط، مثال حي على الفرق الحاسم بين عقليتين، عقلية الواقع الملموس عقلية الواقع المأمول

وهو الفرق الجوهري بين الهزيمة والنصر في السياسة والحرب

وهو أيضا، مع كامل الأسف، الفرق الجوهري بين الغرب (وإسرائيل جزء منه) وبين معظم نخب الدول الناشئة في الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية

يتصرف السياسي الواقعي بناء على معطيات الواقع لتحديد المصلحة العامة، ويخضع بالتالي لرقابة دائمة ومستمرة في البرلمان والإعلام وربما حتى القضاء، وهذا هو المعنى المادي للدولة

وهو السائد في دول العالم المنتصر، بما فيها إسرائيل، لدى النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية

حتى عندما تتسرب فصائل إيديولوجية فيها إلى الحكم فإنها تنضبط لمنطق الدولة

بينما في الدول الإيديولوجية يسود نوع آخر من المنطق حيث يتصرف القادة، في الغالب، استنادا على واقع مأمول محتمل أو متخيل

كمن يدخل مباراة للكرة وهو مخدر

هكذا كان حال عبد الناصر بالأمس وصدام بعده والولي الفقيه منذ 1979

ففي الواقع لا شيء يدعو إيران لتصدير الثورة، وهو منطلق كل الدوامة التي أوصلتها لما نراه اليوم

لكن هذا الخيار يصبح منطقيا تماما عندما يقرره فقيه (وليس رئيس مدني يختاره الناس بناء على برنامج يراقبه برلمان ويدعمه أو يخالفه أكاديميون وإعلاميون…)

فقيه يفكر في نطاق واقع مأمول فيه أمة إسلامية يجب توحيدها، ومستضعفون في كل الكرة الأرضية يجب نصرتهم.

بينما في الواقع المادي لا توجد أمة إسلامية ولم توجد قط

كما لا توجد أمة عربية ولم توجد قط

إنما دول مستقلة عن بعضها، أحيانا متآلفة وأحيانا متعادية، قد تتلقي مصالحها وقد تختلف وقد تتناقض

لكن الولي الفقيه يتيه في الأوهام، كما تاه فيها زعماء الأمة العربية على مدى عقود، قائدا مواطنيه نحو خسائر غير ضرورية

الخسائر كلمة خفيفة جدا، عندما نتذكر كل المآسي المتتالية والمترابطة منذ 1967 على الأقل، ونتذكر أن سببها الرئيسي كان صراعا خفيا بين رئيس الدولة وقائد الجيش في مصر، بينما مثل هذه الصراعات الطبيعية على السلطة في كل المجتمعات المنتصرة تجري في واضحة النهار على صفحات الجرائد ويحسمها المواطنون في صناديق الانتخابات…

تتعقد المشكلة أكثر عندما يطلق القائد الواهم أوهامه من منبر مسجد، لتصبح الأوهام مقدسة والرأي وحيدا والحزب وحيدا والأمة واحدة رسالتها خالدة… والهزيمة محتومة.

ليس في هذا الكلام أي جديد، خصوصا بالنسبة إلينا في المغرب حيث فصل فيه مؤرخ ومفكر مغربي هو عبد الله العروي منذ أول كتبه “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” في 1967

ونبه في ثاني كتبه “العرب والفكر التاريخي” في 1973 إلى أن اللامعقول في إسرائيل لا يتجاوز حدود الدعاية والتعبئة، بينما الدولة هناك خاضعة تماما للمنطق العصري، منطق الواقعية والعقلانية والدنيوية.

ففي ماذا يهمنا كل هذا اليوم في المغرب؟

أولا، لنطمئن. لن تنتهي الأمة العربية ولا الإسلامية لأنها ببساطة غير موجودة

الواقع أن هناك 22 دولة عربية

وعدد أكبر من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي

وكثير منها هي خاضعة فعلا، بمحض خيارها في كثير من الحالات، للولايات المتحدة ولا تحتاج حربا تنهزم فيها إيران لتصبح تابعة لواشنطن

قد نأسف فقط لأن هذه التبعية لم تحولها لما تحولت إليه اليابان أو كوريا الجنوبية تحت النفوذ الأمريكي منذ عقود

ثانيا، لنحمد الله على أن دولتنا واقعية في سياستها الخارجية، وهو موقف بطولي في الواقع، بالنظر لكل العدوان الاستعماري والاستعماري الجديد الذي نتعرض له منذ احتلال الجزائر في 1830

وربما منذ احتلال سبتة في 1415 السنة التي يجعلها المؤرخ المغربي عبد المجيد قدوري تاريخ التجاوز الحضاري الأوروبي الغربي لنا.

ثالثا، نأمل من الله أن تتسرب واقعية دولتنا في سياستها الخارجية، إلى سياستنا الداخلية لنحسم أخيرا أمرنا ونقطع مع هذا النظام الهجين الذي تتعايشه فيه التقاليد الميتة والمميتة في الاقتصاد والثقافة والمجتمع مع المعايير الحديثة المتقدمة

معايير الحرية، حرية المبادرة الفردية في الاستثمار وفي الرأي وفي التعبير