هشام اعناجي – كود //
هل قامر الميلودي المخارق بالعقيدة الأصلية للاتحاد المغربي للشغل وهو يرمي من خلال الإضراب العام ليومي 5 و6 فبراير 2025، بكرة حارقة في جوف الاتحاد، ستكون لها تداعيات قد تهز “أواصر الثقة” التي أطرت علاقته بالدولة منذ أكثر من ستين سنة، حين اختار الراحل المحجوب بن الصديق أن يبتعد بالاتحاد عن “مخاطر السياسة” ويرسم له أفقاً مغايراً للمسار الذي كان واحداً من واضعيه مع قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ليستفرد بزعامة أبدية للنقابة لا ينافسه فيها أحد، ويقودها إلى ظل السلطة في شكل ميثاق كاثوليكي غير مكتوب، يتضمن “الالتزامات المتبادلة” و”الخدمات المتبادلة” ليصبح الاتحاد المغربي للشغل نقابة تحمي الطبقة العاملة بقدر ما تحميها السلطة.
مخاريق الذي ورث الزعامة من المحجوب منذ خمسة عشر عاماً، أراد أن يرث أيضاً جلباب الرهبة التي كان ينشرها الفقيد في أتباعه الأقربين ويسترخي في أريكة الراحل المحببة بذات النفس البيروقراطي والأنا المنفوشة.
حافظ الميلودي على ذات الأعراف التي كرّسها المحجوب في العلاقة مع الحكومات المتعاقبة، ومن جانبها حافظت الحكومات المتعاقبة (باستثناء حكومة اليوسفي) على ذات الصيغ المتعارف عليها (من بينها انتقال رؤساء الحكومات والوزراء إلى المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل في شارع الجيش الملكي بالدار البيضاء للحوار والتفاوض والتقرير في قضايا الطبقة العاملة كإشارة تقدير لتاريخ المحجوب بن الصديق، وفي فهم ضحل لهذه “العادة” التي استمرّت على مضض بعد رحيل المحجوب قرأها الميلودي بشكلٍ مقلوب، وأضحت لديه محل تفاخر وغرور لم يتردد في آخر حوار له عن إشهارها كرمزٍ لقوة المركزية في وجه الحكومة ورئيسها؛ في كشفٍ مخيف عن بوادرِ قليلٍ من جنون العظمة تذكر بحاكم مراكش القديم .
لست أدري من هذا الجني الأغبر الذي ركب رأس المخارق ليعلن عن إضراب عام إنذاري لمدة يومين في زمن قياسي قل نظيره في العالم، وخارج الشرعية الديمقراطية، إذ أن القرار الذي زكته الأمانة العامة وهي في حالة ذهول واندهاش، في اجتماع غير متوقع دُعَيَت له مساء الأحد على عجل، حق أصيل للمجلس الوطني كجهاز تقريري، خاصة بالنسبة لقرار بهذا الحجم والذي أثار غابة من الأسئلة ؛ لذا فضل مخارق دعوة المجلس الوطني بعد الإضراب ليبارك خطواته الإضرابية الميمونة، ويواصل الهروب إلى الأمام.
للعلم، إن آخر إضراب عام دعت له نقابة الاتحاد المغربي للشغل كان في 18 يونيو 1981 بإيعاز من السلطة لتكسير الإضراب العام لـ20 يونيو 1981 الذي خاضته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مسنودة سياسياً بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ما الذي منع إذاً مخارق من الإعلان عن الإضراب في زمنه الموضوعي بدل زمنه الذاتي؟ وقد توالت الفرص المواتية، على الأقل منذ بدأت اللجنة المختصة بمجلس النواب في مناقشة مشروع القانون التنظيمي للإضراب، أي منذ افتتاح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر 2024، إلى المصادقةعليه، ثم الإحالة على مجلس المستشارين، والمناقشة العامة والتفصيلية للنص والمصادقة عليه وإحالته في قراءة ثانية على مجلس النواب؛ ليعلن ساعتها وفي الزمن الميت قرار الإضراب العام. وحتى بعد إنِ استكمل القانون التنظيمي للإضراب مساره التشريعي ولم يتبقى سوى بث المحكمة الدستورية في مدى دستوريته، يصر الميلودي على إعتبار هذا القانون غير شرعي ولن تخضع له مركزيته ليواصل تطاوله على المؤسسات الدستورية في سابقة تؤكد افتقاد الرجل لِحِسِّ المسؤولية ومواصلة التيه بقرارات خرقاء لمجلسه الوطني بخطاب تصعيدي وهجوم مفتقد للحد الأدنى من اللياقة على السيد وزير التشغيل وتبخيس حاقد لنضالات الصف الوطني الديمقراطي بنعته للإضرابين العامين لسنتي 1981 و1990 بالانفلات للتنفيس عن حقدٍ تاريخي لا زال يعتمل داخله؛
ماذا يريد الميلودي من الحكومة؟
ساند رئيسها قبل أن يصبح رئيساً وبعد أن أصبح، جند أتباعه في الحملة الانتخابية لاقتراع 8 شتنبر 2021 لدعم المرشحين الزرق وانتشى بانتصارهم وبرئاستهم للحكومة وساند القوانين المالية لحكومتهم واعتبر رئيس فريقه بمجلس المستشارين بمناسبة التصويت على قانون المالية لسنة 2025، دعم الاتحاد المغربي للشغل للحكومة مساندة من ذهب؛
ما الذي جرى وأزعج الميلودي ليتحول بقدرة قادر من داعم للحكومة إلى راغب في إسقاطها؟
هل يستطيع الميلودي مخارق أن يكشف عن سبب هذا الانقلاب المفاجئ؟ أم تراه سيواصل خطابه المخادع في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والأوضاع الاجتماعية للمواطنين؟
أستعير عنوناً لرشيد نيني وأقول: “وا حايد آ الميلودي وا حايداه”.