حينما قال الملك الراحل قولته الخالدة تلك، فذلك لقناعته بأن شرف تمثيل الناس في المجالس المحلية يبقى أسمى منصب بالنظر إلى أن الصفة التمثيلية تسمح للمنتخب بأن يتوحد مع مدينته ويتقمص دور المدافع الأول عن انتظارات ساكنتها، وهو الدور الذي يدر على صاحبه -إن كان فعلا يحس بثقل المسؤولية- موارد رمزية ومكافآت معنوية لا حصر لها، لعل أهمها تقدير واحترام المجتمع لكل من ينتمي لسلالة المنتخبين (طبعا أصحاب العيار الثقيل الذين يستشعرون ثقل الأمانة التمثيلية).
إن الدار البيضاء التي كان ينتظر أن تخرج من أرضها أساسات المسرح الكبير بدار عامل عمالة المشور الراحل مولاي عبد الرحمان في أبريل 2011، مع ما يعنيه ذلك من تمكين العاصمة الاقتصادية من أحد أكبر المسارح بإفريقيا وتمكين الاقتصاد المحلي من ضخ 140 مليار سنتيم، وضخ الهواء النقي في فضائها الثقافي والفني، ها هي تخرج من مقرها «التهريج» و«البلوكاج» بمجلس المدينة بسبب التطاحن حول قضايا الماضي القابلة للمراجعة وللمساءلة القانونية، وهو تطاحن بين مختلف مكونات المجلس يؤدي في نفس الوقت إلى مصادرة المستقبل الذي من أجله انتخبوا في عام 2009 والذي ستحاسبهم عليه الساكنة البيضاوية.. فضلا عن كون هذا التضامن أدى إلى تجميد مشروع المسرح الكبير منذ انتخاب هذا المجلس والتهديد بإقباره في دورة أبريل المنتظرة بسبب إصرار هذا الفريق وذاك على نسف الدورات، وبالتالي الحيلولة دون إتمام المساطر الخاصة بالمرفق والتصويت على المقررات الخاصة به.
إن الدار البيضاء التي التزمت أمام ملك البلاد، ذات يوم من أكتوبر 2008، بإخراج الترامواي في متم 2012، أضحت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى «مضخة لإنتاج الكذب» بسبب الصراع بين المنتخبين وعدم عقد الدورة لإصدار مقرر يسمح بإحداث شركة لتسيير الترام، علما بأن السكة شرع في وضعها، وشراء القاطرات من الخارج تم الإعلان عنه، ولم تبق سوى 5 أو 4 أشهر لوصول أولى دفعات القاطرات، وهي الصفقة الممكن أن تنسف لأن القاطرات تحتاج إلى وجود شركة للتسيير قائمة وشرعية تحظى بتزكية «منتخبي» المدينة، علما بأن مشروع الترامواي كلف 640 مليار سنتيم.
إن الدار البيضاء التي تعبرها من جهة الجنوب الغربي حوالي 80 ألف سيارة في اليوم، تنتظر على أحر من الجمر إنجاز قنطرة ثلاثية بـ 40 مليار سنتيم في مدار مرجان كاليفورنيا. وهو المشروع الذي ما أن تنفس المرء الصعداء بعد الإفراج عنه من طرف السلطات حتى وضع المراقبون أيديهم على قلوبهم خوفا من أن ينهار الحلم بسبب تصدعات المجلس البلدي وعدم تمرير هذه النقطة في الدورات، علما بأن الكل يعي جحيم الاختناق المروري بهذا المقطع المؤدي إلى مراكش وباقي مدن الجنوب. وبالتالي استحالة استصدار مقرر في دورة أبريل لنفس الأسباب.
إن الدارالبيضاء التي دشن فيها الملك يوم 7 أبريل 2011 بالهراويين برنامجا شموليا لإعادة إسكان دور الصفيح (حوالي 46 ألف أسرة)، تحتاج إلى مواجهة تكلس فقهاء التعمير الذين يغدقون على كبار المنعشين برخص الاستثناء la derogation بإضافة طابق رابع أو سابع، في حين يستكثرون على ضعفاء الأمة من سكان كاريانات الضواحي منحهم ترخيصا لإضافة طابق رابع، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية إتاحة الفرصة لخلق 25 في المائة من الوحدات السكنية الإضافية بدون أن تتحمل خزينة الدولة سنتيما، بل فقط على منتخبي الدار البيضاء أن يتحملوا مسؤوليتهم ويقرأوا الرسائل الواردة في اجتماع الهراويين ويستخلصوا العبر من الدينامية التي فجرتها عمليات سلام أهل الغلام والرحمة وقطب الهراويين (كل أسرتين بالصفيح تستفيد من بقعة زائد 3 طوابق يتكلف ببنائها شخص يحصل على تعويض في شكل شقة بطابق).
فهل بعد هذه الجرائم المالية الناجمة عن حرمان المدينة من الملايير والرواج العمراني والاقتصادي يحق للمرء -حتى لو كان ملكا- أن يجهر بحلم بسيط يتمثل في أن يكون منتخبا محليا!؟
لنجب متسائلين بشكل آخر: هل من العدل أن نترك مصير أكبر مدينة بالمغرب رهينة بيد «المرايقية» و «الشناقة»؟