النقاش هنا يمكن أن يتمحور حول أربع نقاط أساسية. أولا، أريد فقط أن أتساءل وأن نتساءل: هل نحن نعتبر فعلا أن الثقافة وأن المهرجانات هي مجرد "خضرة فوق الطعام"؟ هل نعتبر أننا نحتاج أولا لبناء المستشفيات والطرق والمدارس، قبل أن نهتم أخيرا بالثقافة؟ هذا السؤال ليس اعتباطيا بل يستحق منا تفكيرا حقيقيا وعميقا.

نحن نحتاج في بلدنا لبنيات تحتية أكثر تطورا: مستشفيات، طرق، جامعات، مكتبات… قد نناقش وتيرة تأسيس بعضها ونصفق لوتيرة بناء البعض الآخر؛ قد نتحسر على التأخر الذي نسجله في ميادين كثيرة؛ لكن الخطأ أن نقوم بوضع أولويات نعتبر من خلالها أن "الخبز أولا، والثقافة ستأتي فيما بعد". هذا المنطق هو نفسه الذي يقول:

"الخبز أولا، والحرية ستأتي في حينها". ليس من الممكن أن نستمر في اعتبار أن الثقافة "خضرة فوق الطْعام"، لأن الطْعام بْلا خضرة أساسا لا طعم له.

نحن نحتاج لبناء المستشفيات والجامعات والمدارس والمسارح، كما نحتاج لدعم الإنتاج الأدبي والسينمائي والمسرحي والغنائي والموسيقي والتشكيلي… نحن نحتاج للبنيات التحتية، لكننا نحتاج أيضا للفكر وللثقافة وللفن وللحب وللحرية. و"موازين" أحد تشكلات هذا الحرية وهذا الفن.

من جهة ثانية، علينا أن نوقف الشعارات الشعبوية والمغلوطة التي تتحدث عن "أموال الدولة" و"أموال دافعي الضرائب" التي يتم تبذيرها في المهرجانات وفي مهرجان "موازين" على الخصوص. أولا، علينا أن نعي أنه في جميع بلدان العالم، تساهم المدينة أو الجهة التي ينظَّم فيها مهرجان ما في تمويل جزء من مصاريف هذا المهرجان، لأنه بالمقابل يمنحها إشعاعا سياحيا، يساهم في دعم الاستهلاك والسياحة في المدينة / الجهة، ويساهم في تنشيطها اقتصاديا وثقافيا. من جهة أخرى، فأغلب المهرجانات التي يتم انتقادها، و"موازين" منها، يتم تمويلها من خلال "السبونسورينغ"، أي الاحتضان من طرف مؤسسات اقتصادية منتمية للقطاع الخاص (في أغلبها) تمنح مبالغ مالية للمنظمين مقابل الإشهار والدعاية. أي أنه، باستثناء بعض الشركات العمومية التي تحتضن بعض المهرجانات، و"موازين" منها، فالأمر لا يتعلق بأموال دافعي الضرائب ولا بمبالغ يتم اقتطاعها من ميزانيات وزارات حيوية كالتعليم أو الصحة أو النقل والتجهيز أو غيرها، بل بأموال دعائية لشركات من القطاع الخاص تتحكم فيها حسب استراتيجياتها واختياراتها الداخلية الخاصة، وليس من حق الشعب ولا من حق زبائنها أن يسائلوها في أوجه صرفها.

النقطة الثالثة تتعلق بالتمويل. هناك الكثيرون ممن يعتبرون أن المؤسسات الاقتصادية الكبرى أصبحت تمنح كل ميزانيتها الدعائية الخاصة بدعم الأنشطة الثقافية ل "موازين" وتحرم منها مهرجانات أخرى. اقتصاديا، من حق أي مؤسسة اقتصادية أن تعتبر أن هذا المهرجان يوفر لها فرصا أكبر للبروز والظهور من مهرجانات أخرى. تصوروا أننا بدل أن نشجع التنافسية من أجل أن يحاول كل مهرجان تحسين مستوياته المادية والفنية والتقنية، نطالب بإلغاء مهرجان قوي حتى تبقى المهرجانات الأقل تنافسية على قيد الحياة.

النقطة الرابعة تتعلق هذه المرة بالبلد ككل: هل يعي أحدا الإشعاع الدولي الذي يستفيد منه المغرب من خلال حضور نجوم كبار مثل جو كوكر، سانطانا، إلطون جون، ماجدة الرومي، جورج وسوف، شاكيرا وغيرهم إلى مهرجان مغربي؟ نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للمهرجان الدولي للسينما في مراكش… علينا أن نضاعف من مثل هذه التظاهرات، لا أن نطالب بإلغائها، لأنها تسوق عن المغرب صورة أخرى غير صورة الإرهاب والتخلف. ولنعِ أيضا أننا بالمطالبة بمنع "موازين"، فنحن نؤدي خدمة كبرى للإسلاميين الذين سيجدون الباب مفتوحا على مصراعيه فيما بعد للمطالبة بمنع كل المهرجانات التي تتسبب في "الرذيلة" و"الاختلاط" و"الفساد"…