حميد زيد – كود//

لم يحك أحد عن جريمة بشعة وقعت في مدينته كما يحكي الآن شباب ورجال ونساء ابن أحمد عن الجريمة التي ارتكبت في مدينتهم.

وقد وقعت جرائم قتل في العالم كله.

وفي كل المدن.

وفي كل بلاد الدنيا.

لكني لا أظن أني استمعت إلى تصريحات وشهادات مثل هذه التصريحات والشهادات التي يقدمها ساكنة عاصمة مزاب.

فهناك استعداد فطري لديهم للحكي.

وللشهادة.

ولذكر أدق التفاصيل. مثل حكاية المتهم والميكانيكي والگاميلة والبطاطس واللكمة.

التي يجب على كل من لم يسمعها أن يبحث عنها.

وما يجعلهم متميزين هو الأسلوب الذي يتحدثون به إلى الصحافة.

وهو هذه الإثارة التي يخلقونها.

وهو هذا الصدق.

وهو هذه القدرة الرهيبة على تقديم كل واحد منهم روايته للأحداث.

وهو هذا الوصف.

وهذه هذا المعجم المستعمل.

وهو هذه الطيبة.

وهذا الاندفاع إلى التصريح بكل شيء.

وهو هذه الكلمات من قبيل “اللحوم البشرية” و الكبد المشوية” التي لا يقدر شخص آخر على النطق بها. وبمنتهى السهولة. كما يفعل المواطن في ابن احمد.

وهو هذا التواطؤ الجميل الحاصل بين المراسل المزابي والمواطن المزابي.

وكل واحد منهما يخدم الآخر.

وكل منها نسيج وحده.

ولا يبخل المراسل في طرح الأسلحة كما لا يبخل المواطن في الجواب.

كي نحصل في النهاية على هذا المحتوى الإعلامي غير المسبوق.

والذي يؤكد على خصوصية المنطقة.

وعلى هوية ثقافية متميزة لم تكن تجد الفرصة لتعبر عن نفسها. قبل أن يظهر سفاح العلوة.

وحتى طريقة التعبير عن الحزن.

والخوف.

والهلع.

هي مختلفة عن التعبير عن الحزن والخوف والهلع في مناطق أخرى.

وحتى العويل

لا يشبه أي عويل آخر.

حيث المشاعر في ابن أحمد فياضة أكثر.

وحيث كل شيء يحدث تارة بإسراف. وبمبالغة.

وطورا برواقية مثيرة. يظهر فيها لا جدوى الانفعال والتأثر.

وأن الحياة هي هكذا تميل في كل الاتجاهات وعلى الإنسان أن لا يتدخل في مجرى الأحداث والأشياء.

وبينما تبكي المرأة وتنتحب

فإنها تجد الفرصة في الآن نفسه لتقديم توضيح للصحافي بمنتهى الهدوء.

كما تجد الفرصة للانتقال إلى نقطة أخرى.

أما المراسل

فهو ابن بيئته.

ولا يختلف عن كل ما يحدث حوله. ويطرح بدوره أسئلة غير مسبوقة. ولا يمكن سماعها في أي مكان آخر.

وفي كل لحظة يظهر فيديو جديد.

وفي كل لحظة نسمع تصريحات وشهادات مبهرة

ومفاجئة.

وعجيبة. ومتميزة.

ولو تم جمع كل هذه الفيديوهات التي ظهرت في كود.

وفي شوف تي في

وفي مواقع أخرى كثيرة

في شريط واحد

فإننا سنحصل على مادة ثرية تكشف لنا أننا أمام ظاهرة غير موجودة في المغرب

وعلى دليل اشتغال العقل المزابي

الذي يتميز دون شك عن العقول في مناطق أخرى

ولو تم عرض هذه المادة الصحافية التي تم تجميعها

بعد سنة من الآن

على ساكنة ابن احمد

ولو أخذ كل الذين قدموا شهاداتهم مسافة منها

لما صدقوا أنفسهم.

و لتفاجؤوا من تصريحاتهم.

لكن يبدو أن الناس في هذه المنطقة

غير واعين بموهبتهم

و بتميزهم

و بخصوصيتهم الثقافية

وبملكة الحكي لديهم

ويعتبرون ذلك أمرا عاديا وطبيعيا

ولا يستحق أي إشادة

ولا يمكنه أن يثير أي استغراب.

وقد ظلت هذه الطاقة كامنة

ومجهولة لدى غير المزابي

وغير مكتشفة

إلى أن ارتكب سفاح العلوة جرائمة البشعة

فانفجرت

وخرجت منها كل هذه الحكايات

وكل هذه التفاصيل المثيرة

وكل هذه القصص

وخرج منها هذا المزابي الذي كنا نسمع بخصوصيته

وبتميزه

لكننا لم نكن للأسف نعرفه حق المعرفة.

والذي وبمجرد أن تم اكتشافه

صارت الميكروفونات لصيقة به

والمنابر

والمواقع تتنافس عليه.

والمراسلون يتوافدون عليه

والكل

يرغب في الحصول على روايته للأحداث

و على المعلومات التي يعرفها عن المتهم.

وبسخاء منقطع النظير

وبكرم

يحكي المزابي

ولا يبخل

على أي ميكرو يقترب منه

شاهدا

على أفظع جريمة وقعت في مدينة ابن احمد.