حميد زيد – كود//

أنا من جيل كان فيه هذا الطاغية الفار إلى روسيا. وقبله والده. في كل واحد منا.

ومنا من تحرر منه.

ومنا من لا يزال يحتل عقله.

أنا من جيل كان يقرأ صحيفة “تشرين”. في طبعتها الأنيقة.

التي تظهر في المغرب وتختفي.

أنا من جيل كان ضد استبداد هنا ومع استبداد أبشع منه في سوريا وفي العراق.

وأحيانا في ليبيا.

أنا من جيل كان يقول نحن العرب.

ونادرا ما يتذكر أنه مغربي.

أنا من جيل كان بسبب إيديولوجية البعث والقومية والاشتراكية على الطريقة العربية ضد مصلحته الخاصة.

وضد بلاده وهو لا يدري.

أنا من جيل كانت كل ثقافته.

وكل فهمه للسياسة يأتي من بغداد ومن دمشق.

فكانت تأتي المجلات.

وكانت الكتب.

وكان المسرح. ودريد لحام. والسينما الملتزمة.

وكان عقلنا محشوا بالبعث السوري.

وبالقومية.

وبالنظام التعليمي البعثي.

أنا من جيل كان ضد نفسه.

وضد هويته.

بتأثير من الإيديولوجية التي يحكم بها الأسد.

أنا من جيل كان يأتيه الأسد من بيروت.ومن باريس.ومن لندن.

فيشتريه في المكتبات.

وإلى غاية أمس كنت أرى اتحاديين بعثيين سوريين.

و أراهم في حزب الطليعة.

وفي الفكر المغربي. وفي الأدب. وفي خالد السفياني. وفي الشعارات.

وأرى الأسد الأب في النقابات.

وفي الجرائد. وفي المقاهي. وفي الغناء. وفي ترجمات الأدب الروسي.

وفي بيتنا.

كان الأسد حاضرا بقوة. ولا ينافسه سوى صدام حسين.

أنا من جيل عشق الطغيان فصيحا.

وملحنا

وعذبا.

و تجمله الفنانة رغدة بشقشقاتها اللغوية وببحة صوتها.

أنا من جيل رأى القمع حلوا في عيني رغدة.

وفي المسلسلات السورية.

وفي برنامج سعد الله آغا القلعة الرائع حول الموسيقى.

ولما كبرنا جاء ياسر العظمة.

وجاءت وين الملايين في شراكة ليبية سورية.

وجاءت تلك المسلسلات السورية التي تحدث في اللامكان واللازمان.

وجاءت قناة أ إن إن التي تعارض فيها عائلة الأسد عائلة الأسد.

وفيها تعرفنا على العراف والفلكي ثابت الألوسي بكرته البلورية وقامته القصيرة.

وعلى الكاتب محيي الدين اللاذقاني بلحيته التي تتخذ في كل مرحلة لونا.

ومثل الكرزة حطت الفنانة سلاف فواخرجي.

بنظرتها القومية البعثية التي أسرت أمة عربية بأكملها.

أنا من جيل صار فيه الشيوعي السوري تحت تصرف البعث.

أنا من جيل كان عقله محتلا.

وفكره محتلا

وخياله محتلا من قبل عائلة الأسد.

أنا من جيل كان فيه اتحاد كتاب عرب في ملكية الأسد.

و كان على الكتاب العرب جميعا أن يتبعوا سوريا.

وأن يكتبوا بنفس لغة الخشب.

وأن يتحدثوا عن نفس البطل الإيجابي.

وأن يعادوا من تعاديه سوريا ولو كان عربيا.

وقد كان في سوريا الماغوط. وحنا مينا. وسنية صالح. ونزار قباني.

وكان جمال.

وكان فن.

وكان مبدعون كبار.

وكان تعليم جيد.

وكان نظام صحي.

لكن النحن كانت مهيمنة.

والويل للفرد.

الويل لمن لا يتحدث بصيغة الجمع.

وباسم الأمة.

الويل لمن لا يتأثر بنهضة العرب. وبسقوط العرب. و ب”متى يعلنون وفاة العرب”.

وقد كان مفروضا أن نكون جميعا في قصيدة نزار قباني.

ويكون فيها المغربي والجزائري والكردي والموريتاني والتونسي.

أنا من جيل كان ضحية ديكتاتورية التعميم.

و ديكتاتورية النحن.

وديكتاتورية الأمة.

التي خربت كل ما هو قطري.

وكل ما هو دولة وطنية.

وخربت الإنسان “العربي”.

وخربت المواطن.

وجعلتنا جميعا ضد الحرية

وضد الوحدة

وضد الاشتراكية العربية

لأن هذه الكلمات صارت تعني مع الأسد نقيضها

والحرية هي القمع. وهي القتل.

والوحدة هي استغلال فلسطين واختزالها في المرتزقة وفي قاتل مأجور تابع للأسد.

وهي توظيفها كي لا تكون هناك ديمقراطية.

أنا من جيل عانى كثيرا من العروبة ومن القومية ومن البعث

ومن الكتب

ومن الخطاب الذي كان مهيمنا.

و قد رأيت تمثال الأسد الذي يركله شباب الثورة.

وقد رأيت رأسه الذي يتبول عليه طفلان.

لكن الأسد لا يزال في رأسي. ولم أتخلص منه بالكامل.

أنا من جيل كان بعيدا عن هذا المشرق

وعن سوريا

لكن الطاغية كان يسكنه

وكان يهيمن على لغته. وعلى فكره. وعلى نظرته إلى المغرب

وإلى العالم.

أنا من جيل يصعب عليه أن يتخلص من كل هذا البعث

وهذه الوحدة

وهذا الأسد

أن من جيل يحتاج إلى وقت كي يتحرر بالكامل من كل بقايا وشبيحة وكتاب و مروجي خطاب الأسد فيه.