الناصري قال "إننا" والمعتقد أن نون الجمع تعود عليه وعلى من قاموا بمبادرة الحوار, لم نقبل أن نملي على المجتمع قرارات فوقية, بل تشاورنا مع الجميع لكي نصل في الختام إلى نتائج ترضي الجميع, وإن كان من تابعوا هذا الحوار يعرفون أن الأمر مجرد كلام في كلام. وزير الاتصال قال أيضا إنه يوجه من قبة البرلمان وجهارا الشكر للجهة التي أشرفت على هذا لحوار الوطني وأنه يثمن عاليا الخلاصات والتوصيات التي توقف عندها ماأصبح يعرف منذ أيام بالكتاب الأبيض للحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع.
من عادوا قليلا إلى الوراء وأنعشوا ذاكرتهم ببعض التفاصيل العابرة يتذكرون أن أصحاب الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع كادوا أن ينسوا في جلستهم الافتتاحية الأولى التي شهدها البرلمان توجيه دعوة لخالد الناصري, ولولا تدارك آخر لحظة _ وإن كان البعض حينها قد قال إن الأمر كان مقصودا _ لانعقدت الجلسة الافتتاحية دون وزير القطاع, والأمر لم يكن ليسجل سابقة خطيرة على الإطلاق طالما أن نبيل بنعبد الله سلف خالد الناصري في المنصب ذاته قالها بعظمة لسانه منذ أيام في "ميدي أن تي في" من أن وزير الاتصال لايتحكم في الإعلام, وطالما أن بقية الجلسات التي أعقبت الافتتاح تمت دون حضور الوزارة, بل بحضور من يهمه الأمر فقط.
المسألة ليست شكلية ولا تافهة إطلاقا. المسألة تهم هذا القطاع الحيوي بالنسبة للمغاربة, وتهم كل التطورات التي ستقع فيه. وإذا ماكان الحوار الوطني قد انعقد دون إشراك الوزارة في كافة تفاصيله, بل وانتهى بتوصية تطالب بإلغاء الوزارة أصلا وضمها إلى وزارة الثقافة (وهو اقتراح وجيه بالمناسبة ويتماشى مع الموجود حاليا في الدول الحديثة) فإن أخطر غياب عن الحوار الوطني كان هو غياب شغيلة قطاع الصحافة في المغرب.
حضر الناشرون طبعا, الذين يهتمون بتوازناتهم المالية وحياة مؤسساتهم, وهي حياة هامة وحيوية للعاملين فيها. وحضرت نقابة مجاهد والبقالي أي النقابة الحزبية التي تأتمر بأجندة الواقع الحزبي المغربي, لكن هيئات تحرير الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة غابت عن هذا الحوار تماما. فلم نسمع يوما أن منسقه جمال الناجي كلف نفسه عناء زيارة هذه الهيئات للتعرف عن قرب على ظروف اشتغالها, ولم يسبق لنا أن علمنا أن لقاءا مباشرا قام به الرجل أو طاقم الحوار الوطني مع بعضها على الأقل في أرض الميدان للتعرف عن كثب على ماتعيشه فعلا بعيدا عن الكلمات الفضفاضة والشعارات التي ترعب والتي ترسو في الختام على "فاشوش".
حوار وطني حول الإعلام والمجتمع, نعم, لكن مع من؟ وبأي طريقة؟ وتجاه اي هدف؟
إذا كان كل ماجرى حتى الآن يهدف فقط لإخراج قانون صحافة متوافق عليه حد إفراغه من قانونيته, وجعله نسخة أخرى مقبولة هذه المرة من القانون القديم, فالمسألة فيها نظر. وإذا ماكان الهدف هو خلق الوهم داخل الجسم الصحفي أن حراكا ما يتم بالفعل, وأن للدولة رغبة في السير _جنبا إلى جنب _ رفقة السلطة الرابعة, دون أن يكون لهذا الإحساس في الواقع مايؤكده فالأكيد أن خيبة الأمل من النتائج والتوصيات ومن العمل الذي سيعقب كل هذا ستكون كبيرة داخل هيئات التحرير المختلفة العاملة في المغرب من تلفزيون وإذاعة وجرائد.
اليوم وقد أصدر الناجي من داخل البرلمان كتابه الأبيض, وقدمه لمن يعنيه الأمر, آن لنا أن ننتظر الخطوات العملية الأخرى, وإن كان الإحساس السائد داخل هيئات التحرير المختلفة _ وهذه أنا أكيد أن أحدا ممن جالسوا الناجي لم ينقلها له إطلاقا _ تعيش على وقع لاجدوى كل ماحدث حتى الآن, وأفق الانتظار المشرع داخل هذه الهيئات مفتوح على انتظار الأسوء بكل صراحة, ولا وجود لأي دليل _ بدءا من الشنآن البادي للعيان الموجود بين مختلف المتدخلين في الميدان, وحتى أشكال التدخل الأخرى التي لازالت هي الأقوى _ على أنه ثمة شيئا ما إيجابيا في انتظار هذه الحرفة في الأيام القادمة اعتمادا على هذا الحوار أو نتائجه.
بالمقابل هناك إحساس لا أعرف مدى صدقه من أن خطوة عليا ستأتي لكي تعيد الاعتبار لأهل هذا الميدان الذين غيبهم الناجي ومن معه من جلساتهم. تراها الهيئة الوطنية أو العليا للصحافة, أم تراها شيء آخر. لننتظر وسنتعرف قريبا على نوعيتها وماهيتها, عساها تصلح ماأفسده عطار المناظرات ومن معه في السياق.
.