عمر المزين – كود///

انعقدت يومي 30 و31 مايو 2025 بفاس ندوة علمية وطنية جمعت متخصصين في الطب النفسي وعلم النفس وعلم الاجتماع، بالإضافة إلى قانونيين وقضاة ومحامين، حول نقاش رفيع المستوى بشأن السياسة الجنائية في مجال الصحة النفسية والعقلية.

وأكد السعيد الوردي، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق بفاس ومدير المختبر المنظم، أن هذه الندوة تأتي في سياق يتسم بجرائم خطيرة ارتكبها أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، مما يسلط الضوء على الثغرات في الإطار القانوني والسياسات العمومية المتعلقة بالصحة النفسية.

وذكر بأن الهدف الرئيسي هو تحديد الأسباب الجذرية لهذه الأفعال الإجرامية واقتراح حلول متكاملة، مع اعتبار مرتكبيها ليس فقط كمجرمين، ولكن أيضًا كمرضى يحتاجون إلى رعاية طبية واجتماعية ملائمة.

من جهته، ذكر عز الدين شفيق، مدير السجن المحلي رأس الماء والمندوب الجهوي بالنيابة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بأن الرعاية الصحية النفسية تشكل حقا أساسيا للسجناء.

شفيق سلط الضوء على جهود المندوبية العامة لتحسين الخدمات الطبية والنفسية في الوسط السجني، طبقًا للقانون 23.10 المتعلق بالمؤسسات السجنية، والذي يخصص بابًا كاملاً للرعاية الصحية.

ومن بين التطورات البارزة التي تحدث عنها شفيق “التقييم النفسي المنهجي للنزلاء الجدد، تعزيز دور الأخصائيين النفسيين في السجون، خاصة لتتبع السجناء الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو إدمان، وإعداد دليل مرجعي حول الصحة في الوسط السجني، بشراكة مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بهدف مواءمة الممارسات مع المعايير الدولية.

هذا، وقدمت رتيبة العيادي، ممثلة المديرية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية بفاس، تشخيصًا مقلقًا لوضع الصحة النفسية في المغرب، حيث كشفت أن أقل من طبيب نفسي واحد لكل 100,000 نسمة، وهو رقم أقل بكثير من المعدل الدولي (1.7) والأوروبي (9.4).

كما أفادت أن 48.9% من المغاربة سيعانون من اضطرابات نفسية في مرحلة ما من حياتهم، حيث يصاب 26% بالاكتئاب و5.6% باضطرابات ذهانية، مسجلة  عن وجود وصم اجتماعي مستمر، يؤدي غالبًا إلى اللجوء إلى ممارسات غير فعالة (كالشعوذة) أو إلى تشرُّد المرضى، مما قد يشكل خطرا على الأمن العام.

وفي فاس، أكدت مسؤولة المندوبية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية أن ثلاث مؤسسات متخصصة تتكفل حاليًا بالرعاية، وهي مستشفى ابن الحسن (بسعة 83 سريرًا)، ووحدة الصحة النفسية بباب جديد (والتي قدمت 5000 استشارة سنة 2024)، ومركز علاج الإدمان بحي طارق.

ودعا المتدخلون بالإجماع إلى إصدار قانون حديث يؤطر الجريمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية، ليحل محل ظهير 1959، بما يتماشى مع دستور 2011 والاتفاقيات الدولية، ووضع سياسة عمومية مخصصة للصحة النفسية، تهدف إلى ضمان الولوج المنصف للرعاية الصحية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية.

كما تمت الدعوة إلى تعزيز التغطية الطبية في مجال الطب النفسي، مع إيلاء اهتمام خاص للوقاية والتكفل وإعادة الإدماج الاجتماعي.

يذكر أن هذا الحدث من قبل مختبر الدراسات القانونية والتحول الرقمي التابع لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاس-مكناس، والمديرية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية بفاس، والمرصد المغربي للسجون. وقد أتاح هذا الحدث مناقشة التحديات المعقدة التي تربط بين الصحة النفسية والعدالة الجنائية.