كيف تشعر وأنت ترى التحولات التي تقع في العالم العربي خاصة وأنك مغربي الأصل؟

لا أخفيك سعادتي بما يحدث في العالم العربي من تغييرات خاصة على مستوى حرية التعبير. لقطة التونسي الذي يمرر يده على رأسه ويقول “هرمنا من أجل هذا اليوم” على قناة “الجزيرة” تلخص كل شيء بالنسبة لي. كما أنني فرح لأن مثقفين من الغرب عموما وفرنسا على وجه التحديد ظلوا يرددون مقولة مفادها أن العرب والديموقراطية لا يلتقيان، اعتقدوا أن الديموقراطية في العالم العربي ستوصل الإسلاميين إلى الحكم. لقد شرحت لهم في لقاءات وخلال استضافتي من قبل قنوات تلفزيونية أننا كمغاربة وكعرب لنا تاريخ حافل بالديموقراطية وبالحرية، هناك رغبة دائمة للحرية وللانعتاق وكنت أحيلهم على أغاني أم كلثوم وفيروز ومارسيل خليفة.

بدأت الاحتجاجات في المغرب منذ 20 فبراير، هل تتوقع أن تعطي هذه الاحتجاجات نتائج أم أن الدولة لن تأبه بها؟

حسب ما رأيت وشاهدت في مدن الرباط والدار البيضاء والداخلة، هناك احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن نستغل الدينامية والتحرك الموجود حاليا في الساحة ويعمل المغرب على التغيير وبذلك ستصبح لنا ثورتنا لكنها ثورة ناعمة يشارك فيها الجميع، ثورة تدخل المغرب إلى الديموقراطية. هذا الأمر رهين بتجاوب الجميع نظام وأحزاب ومجتمع مدني ونقابات ومثقفون. أما إذا لم تحدث هذه الثورة الناعمة سنصل إلى مرحلة خايبة بزاف.

هل تقصد الثورة الدموية التي توقعها البعض؟

سنصل إلى احتكاكات خطيرة لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها.

هل تعتقد أن الدولة بدأت يتفاعل مع مطالب حركة 20 فبراير”؟

أعتقد أن هناك إشارات في الاتجاه الصحيح، إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان وإسناد رئاسته إلى شخصية أقدرها وأحترمها مثل إدريس اليازمي، يمكن اعتباره أول جواب، ثم جاء جواب آخر هو الوعد بتوظيف الدكاترة الحاملين للشهادات العليا، ولكن يجب أن يتحقق هذا الوعد.
إن ما وقع ويقع في العالم العربي ستكون له انعكاسات مباشرة على الوضع حتى في الغرب، فما بالك بالمغرب.

كيف؟

فكلمة “إرحل” التي حملها العرب ضد حكامهم الديكتاتوريين باللغة الفرنسية (ديكاج) استعملت أول مرة في امريكا اللاتينية، وقد كتب القيادي اليساري الفرنسي جون لوك ميلانشون كتابا بعنوان “ليرحلوا عنا جميعا”، وهو ترجمة للعبارة التي استعملت في أمريكا اللاتينية. الكتاب شهد إقبالا كبيرا وبيعت منه 300 ألف نسخة.

نعود إلى المغرب، قلت إن هناك إشارات في الاتجاه الصحيح، المغاربة لا يريدون إشارات فقط يريدون التسريع بالإصلاحات؟

ما يجب الاعتراف به كذلك هو أن لسان لمغاربة تطلق، وهذا مهم جدا، فالكل يعبر اليوم بحرية عن الإصلاحات الدستورية والسياسية التي يريدها. هذا أمر مهم. بخصوص الإصلاحات الدستورية لدي اقتراح في الموضوع. يجب أن يفتح نقاش وطني في كل المناطق المغربية حول المغرب الذي نريده في السنوات المقبلة. لا داعي لاستنساخ تجارب أخرى، فما يجري في بلجيكا مثلا أظهر أن للملكية دور وإن كانت تسود ولا تحكم، فمنذ أكثر من سنة هذه الدولة بدون حكومة، ومع ذلك استطاعت الملكية أن تلعب دورا في تماسك البلد.

بعد النقاش الوطني حول المغرب الذي نريد وأقترح أن يدوم ستة أشهر يمكن إعداد كتاب أبيض يتضمن جميع الاقتراحات، هذا الأمر سيجعل الشعب المغربي يتنفس، وسيوضح أن لا أحد يحتكر موضوع التعديل الدستوري. ففي فرنسا تم تعديل دستوري لكنه لم يرضي الجميع، في المغرب هناك اتفاق بين الجميع على ضرورة تغيير الدستور الحالي، لأنه لا يعكس الوجه الحقيقي للمغرب ولا يتزامن مع ما يقع في العالم العربي. نريد دستورا مؤسساتيا يطرح مبادئ يتفق حولها الجميع.

لكن هناك مطالب آنية تدعو إلى الحد من السلطات التي يستمدها البعض من قربه من الملك وخاصة الماجدي في مجال المال والأعمال والهمة في المجال السياسي؟ 

لست من النوع الذي يشخصن الإصلاح، لا أحمل الأشخاص مسؤولية ماحدث، يحتاج المغرب إلى قواعد وقوانين ومؤسسات لها مسؤولية، يحتاج إلى عدالة مستقلة، أعرف أن هذا الأمر صعب.

إن الماجدي الذي لا أعرفه بالمناسبة، إذا كان يقوم بما يقوم به فلأن قواعد سمحت له بذلك، يجب أن نصل في المغرب إلى مسألة مطبقة في فرنسا وهو أن المستشار لا يجب أن يتعاطى إلى الأعمال، يجب القطع مع تداخل الاختصاصات.
أعرف أن السياسة مسألة رموز كذلك، ولا بد من إعطاء إشارات على أن المغرب سيدخل مرحلة جديدة وهذا الأمر يتم عبر إقالات.
خلال المرحلة الجديدة يجب القطع مع مغرب الهامش، فالهوة بين الفقراء والأغنياء ازدادت اتساعا.

تعمل في الحكومة الفرنسية وكنت مستشارا للوزيرة فضيلة عمارة، هل كانت الحكومة الفرنسية تتوقع ما حدث ويحدث في دول كثيرة منها المغرب؟

كما قلت لك كان المثقفون الفرنسيون يعتقدون، ومازال بعضهم، أن المسلمين عموما والعرب على وجه الخصوص لا علاقة لهم بالحرية والديموقراطية، وأخبرهم أن الشعارات التي رفعت وترفع تقول “الشعب لا يعرف المستحيل”. والعقل الغربي لا يفهم أو لا يستوعب أفضل من لا يعرف ما يجري حاليا، وأعتقد أن ما يجري حاليا ستكون له انعكاسات جيوستراتيجية في أوربا وخاصة المنطقة المتوسطية.