حميد زيد ـ كود//

خرجنا جميعا من الحياة ودخلنا تباعا إلى الفيسبوك.

ومنا من عاش فيه.

ومنا من ظل يتنقل بين الفيسبوك والحياة إلى أن قرر أن يستقر فيه بشكل نهائي.

ومنا من استحلى النوم فيه فلم يستيقظ منذ ذلك الحين.

ومنا من جرب فيه الحب.

ومنا من صعد إلى أعلى قمة فيه وأخذ يضرب الناس بالحجارة.

ولم ينزل منذ ذلك الوقت.

ومنا من صنع فيه حياة ثانية وبيتا وأولادا.

ومنا من لم يعد يستطيع مغادرته.

ومنا من صار له متابعون من واجبه أن يخبرهم كل يوم بجديده.

فأصبح نتيجة ذلك خاضعا لهم.

وفي هذا الفيسبوك ظهرت عادات جديدة.

وظهر شعب.

وظهرت نخبة.

وظهر جمهور.

وطبقة دورها هو النقر والتعبير عن الإعجاب.

وظهرت أساليب عيش.

وتيارات.

وجماعات.

ومنا من لم يكن موجودا في الواقع وولد في الفيسبوك.

إلى أن أصبح الفيسبوك في حالات كثيرة وطنا بديلا لمن دخله.

ومغربا افتراضيا يعوض المغرب الواقعي.

ومع الوقت.

ومع توالي السنين.

ومع العيش الطويل في الفيسبوك

بدأ الناس يمرضون فيه.

ويكتئبون

ويصيبهم اليأس والخبل

ويرتبطون ويتزوجون

ويتخاصمون

ويرفعون الدعاوى ضد بعضهم البعض.

ويتلقون الزيارات والمعايدات والتعازي والتهاني والتبريكات.

وكم من واحد ثم القبض عليه من الفيسبوك.

وكم من واحد ثم سجنه بعد أن ضبط متلبسا في صفحته.

وكم من واحد

وكم من واحدة

تم تصويرهما في الخاص فتم التشهير بهما في كل الصفحات.

والبعض منا كان صغيرا وكبر في الفيسبوك.

وهناك من مرض فيه.

ومن شاخ.

ومن خلق عصابات يسطو بها على الغير.

وكما في الخارج

وفي المغرب الذي تركناه خلفنا

فقد ظهر بيننا في الفيسبوك أخلاقيون وكفار وزناة ورومانسيون ونصابون وسياسيون وطهاة وهواة قنص وعمال ومحبو طبيعة وأشرار ومعارضون وعياشة ودكاترة وشعراء وكتاب قصة وفلاسفة ومنظمو حفلات وزوجات صالحات وفاجرات ودواعش ومتنورون وموريون يحتفون بجمجمة قديمة وأنبياء…

وبدل الحياة الأولى

صنعنا حياة ثانية في الفيسبوك

قبل أن نكتشف أن الإنسان يموت أيضا في الفيسبوك.

وقد سرنا أكثر من مرة في جنازات افتراضية

وحزنا لرحيل أشخاص ماتوا داخل الفيسبوك

وبكينا

وكتبنا عنهم

واختلفنا حولهم

بينما لا نجد أي أثر لهم في الحياة الأولى.

ودون أن أذكر الأسماء التي رحلت

ودون أن أعرض قائمة موتانا في الفيسبوك

إلا أن الأمر أصبح ظاهرة

ولكل منا ميت في هذا الموقع

وفي كل مرة يموت مغربي في الفيسبوك

وفي كل مرة نقوم تشييع جنازته

دون أن ننتبه

إلى هذا الموت الجديد

وغير المسبوق

الذي لا يحدث في الواقع

ولا في هذه الحياة

بل في حياة أخرى وفي عالم آخر لم يكن موجودا من قبل.

عالم

لم نكن يوما نتوقع

أنه ستظهر فيه حياة

وسيظهر فيه موت

وأن من دخله بكل جوارحه وأفكاره

ولجأ إليه

وقرر أن يعيش فيه

فإنه لن يغادره

إلا إلى القبر.

دون أن يمر بحياته الأولى

تلك الحياة الواقعية

التي لا ينتبه فيها أحد إلى هذا الموت

الذي يحدث في حياتنا البديلة

داخل مملكة الفيسبوك.