حميد زيد – كود//
ما الذي يجعله متميزا.
ما الذي يجعل المثقف المغربي الوشاش مختلفا عنا.
ومغرورا.
ويشعر بأنه متفوق علينا.
وأفضل منا.
إنه لا يشاهد مثلنا الأفلام في نيتفليكس. ولا في أي منصة أمريكية أخرى.
وعندما تسأله أين تفرجت في هذا الفيلم الذي تحكي عنه.
يقول لك: في MUBI.
و كأنه بذلك يحتقرك ويقلل من شأنك.
لأنك تجهل أي وجود لمنصة تحمل هذا الاسم.
بينما هو يتوفر على اشتراك في موبي.
وهي منصة تعرض أفلاما مستقلة. وتجريبية. ومعقدة. ومتقشفة. ولا بداية لها ولا نهاية.
وما يسمى سينما المؤلف.
وما يجعله في عالم ونحن في عالم آخر. أنه لا يشاهد مثلنا الأفلام المدبلجة.
وكل شيء بالنسبة إليه سوتيتراج.
و يأكل بالسوتيتراج.
ويمارس الحب بالسوتيتراج.
ومشيته سوتيتراج.
ولغته سوتيتراج.
وينظر إلى العالم. وإلى المحيطين به. نظرة سوتيتراجية.
ولذلك فإنه لا يرانا ولا يستطيع التركيز علينا بشكل جيد.
وبينما هو يقرأ السوتيتراج فإن تفاصيل كثيرة فينا تفلت له. ولا يقبض عليها.
وتضيع في تحديقه إلى الكتابة أسفل الشاشة التي وضعنا جميعا فيها.
ولا ينتبه إلى ذلك.
وتعميه نخبويته. و يقينه السوتيتراجي. وثقته في السوتيتراج. وفي النسخة الأصلية.
بينما تحدث أشياء كثيرة مهمة جدا ورائعة في النسخ غير الأصلية.
وفي الصوت فوق الصوت.
وفي التفاهة.
التي يظن المثقف الوشاش أنه نجا منها وتركنا في قعرها.
بينما هو يعيش في الوهم.
ولا يكتفي المثقف الوشاش بذلك. بل يذهب أحيانا إلى أبعد مدى.
رافضا السوتيتراج هو الآخر.
معتبره إياه عائقا.
وعقبة أمام ولوج الفيلم وسبر أغواره والعيش فيه.
متفرجا في الأفلام الكورية واليابانية بلا أي وسيط.
مندمجا فيها. و متظاهرا بالعمق.
معذبا نفسه بكل ما هو غامض. ورمادي. ومظلم. ومفكك.
حارما نفسه من التسلية.
ومن المتعة التي تمنحها الآن أفلام البلوكباستر.
-ولولاه لما استعملت هذه الكلمة-
وحين نكون جميعا ننتظر مباريات الرجاء.
أو ثلاثاء وأربعاء الشومبيونز ليغ.
يتأفف المثقف الوشاش منا . ومن تضييعنا للوقت.
ومن عبادتنا للكرة باعتبارها دينا جديدا.
هكذا يقول.
وفي الوقت الذين ننشغل فيه نحن بمشاهدة الماتشات. يكون هو في قناة أرتي.
مستغلا غياب الرعاع
مستوليا على كل الفيسبوك. متحدثا عن المخرج الياباني أكيرا كوروساوا.
وبينما الشاشة بالنسبة إلينا فرجة وتسلية.
والتلفزيون هو للمساعدة على النوم. أو على الاستلقاء.
أو لتزجية الوقت.
فإنه بالنسبة إليه هو مصدر للمعرفة.
ولتعذيب المتفرج.
ولجعله معقدا.
رافضا للإثارة. وللإغراء. وللبسيط. وللسهل. و للواضح.
أما سياسيا
فالمثقف العيّاق لا يشاهد مثلنا نشرة الثامنة.
ولا يخضع لأي توجيه. ولا لأي تكييف.
ولا لأي تأثير.
وهو مستقل في فهمه.
وحر دائما.
ولا يقرأ الصحافة التي نقرأ.
وفهمه للعالم كله مستمد من البودكاستات التي يختارها بعناية.
بوعي.
وبنضج لا نتوفر عليه نحن.
وبحذر من التضليل.
مركزا على أسماء بعينهيها يتداولها مع دائرة ضيقة من الناس الذي يشبهونه.
ولا يثق في رأي.
ولا يصدق محللا إلا إذا كان كلامه بالأنجليزي.
متأففا من جهلنا.
ومن شكلنا.
ومن اهتماماتنا.
ومن حياتنا البسيطة
ومن قهقهقاتنا
ومن ارتكابنا لجريمة قراءة الكتب بصيغة EPUB.
بينما هو يشم الورق.
والحبر.
مستغربا من وجودنا الخالي من أي اشتراك في موبي.
منعزلا عنا
مهاجرا إلى المراكز الثقافية الأجنبية
وإلى الخارج
منتقدا لنا
لكنه في نهاية المطاف يعود إلينا
ولو بشكل متأخر فإنه يعود
مقتنعا أن الحياة بسيطة. وجميلة. مثلها مثل الأدب. والفن.
ولا تستحق كل هذا العناء
وكل هذا التعقيد
وكل هذا الحرمان من عالم التسلية الرائع.
ومقتنعا أيضا أن الإنسان بمقدوره أن يعيش دوني اشتراك في منصة موبي.
لكن من المستحيل أن يعيش
دون تفاهة
لأنها ملح الحياة
وهي التي تجعل الإنسان يتخفف من كل تعقيدات الوجود.