حميد زيد ـ كود//
هذه الأقلام الحرة اليوم تطل علينا من الفيديوهات.
كلها.
كل هذه الأقلام الحرة لم تعد تؤمن بجدوى بالكتابة.
وبالقلم.
الأقلام الحرة الآن لها ذلك الميكروفون من ماركة RODE الأسترالية.
لكنها مع ذلك تحتفظ باللقب.
ولا تفرط فيه.
ورغم أنها تخلت عن القلم.
إلا أنها ترفض أن تسمي نفسها بالأصوات الحرة مثلا.
أو أصحاب الميكروفونات الأحرار.
أو أصحاب الفيديوهات الشرفاء.
إلخ. إلخ
من الألقاب التي يجب أن تنسجم مع التحولات التي طرأت على مجال الصحافة.
وأي مضايقة الآن.
وأي حد من الحرية.
وأي قمع لحرية التعبير.
وأي سجن.
وأي تألق.
وأي نجاح.
وأي إخفاق.
فهو لأصحاب الميكروفونات.
بينما الصحافي التقليدي لم يعد موجودا.
وفي وقت لم يعد فيه للكتابة أي تأثير.
وفي عصر اختفى فيه القلم الذي يشار إليه بالبنان.
واختفى معه القارئ.
وحل محله الناقر.
والمكبس.
فإن المعركة الصحافية تجري في هذه الأثناء بين أصحاب ميكروفونات يعتبرون أنفسهم أحرارا.
ضد أصحاب ميكروفونات من نوع آخر يعتبرهم خصومهم مقربين من السلطة.
والقاسم المشترك بين الجميع هو ميكروRODE .
كلهم.
كلهم لهم نفس الميكرو.
رغم اختلاف الخطوط التحريرية.
والمرجعيات.
والإيديولوجيات.
والولاءات.
حيث يتقلص بالتدريج عدد الذين يكتبون.
ويتقلص عدد الجرائد الورقية.
ويغزو الفيديو والبودكاست المواقع الإلكترونية.
ومن ليس له RODE فلن يكون صحافيا في المستقبل.
ومن لم يحصل عليه الآن فلن يكون بمقدوره أن يواكب التطور الحاصل في المهنة.
وسواء كنت صحافيا معارضا.
وحرا.
ومستقلا.
أو كنت صحافيا تشتغل لصالح السلطة.
ولست حرا.
ولا مستقلا.
فإنه يلزمك الحصول على ذلك الميكرو.
وليس صحافيا من لم يشتره.
وليس صحافيا من لم يحصل عليه.
ولن يمر وقت طويل حتى يجد نفسه خارج هذه المهنة.
وخارج النقابة.
التي ستجد نفسها مضطرة هي الأخرى لتتكيف مع الواقع الجديد.
ولا تقبل أن ينتمي إليها إلا من بحوزته ميكرو RODE.
ومن ليس له
فلن يحصل على البطاقة المهنية.
ولا على بطاقة القطار.
ولا على زيادة في الأجر على دفعتين.
وقد يحاول بعض المتطفلين على المهنة الحصول على أي ميكرو
ومن أي ماركة
لكن لن تقبل منه إلا تلك العلامة الأسترالية.
التي سيطلبها المجلس الوطني
مع السجل العدلي.
وصورتين.
حيث الشرط الأساس لممارسة المهنة هو ميكرو RODE
ومن ليس له سوى قلمه فلن يقبل منه.
لأنه لم يعد يكفي.
وهو ما تؤكده هذه الأسماء المتألقة والمؤثرة والقادمة من كندا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا…
التي تتحدث عن الشأن المحلي المغربي من قارات بعيدة.
وتؤثر على الناقر.
ويفهمها الأمي والمتعلم.
وتسمح للجميع أن يتابعها أينما كانت.
وشيئا فشيئا
وبالتدريج
سوف يختفي القلم الحر
والقلم السيال
والقلم المنبطح والجبان والمستأجر
كل الأقلام سوف تختفي
وسوف يختفي الصحافي الكلاسيكي المتعلم
والمتخرج من معاهد الصحافة
وسوف يحل محله حملة الميكروفونات
وكل شيء سيصبح مرئيا ومسموعا
بما في ذلك بيانات التضامن
والتوقيعات على العرائض
والجمهور
والرأي
والربورتاجات والتحقيقات
والمعرفة
والثقافة
وحين تقرر السلطة أن تستهدف قلما حرا
فإنها ستكسر ميكروفونه.
ليخرج الناقرون للتضامن معه و للدفاع عنه
في عالم تغير فيه كل شيء
وتغيرت التعريفات
واختفت الأقلام
واختفى الشطب.
واختفى رئيس التحرير
ليعوض حامل الميكرو الشامل.
الذي يتحدث في كل المواضيع.
ويشتغل في كل الأقسام.
ويربح لوحده ما كان تربحه هيئة تحرير كاملة.
ورغم هذا كله لا يزال أصحاب الميكروفونات متشبثين
باللغة القديمة
وبقلم تخلوا عنه لأنه لم يعد مربحا
ولا مؤثرا.
وعندما يشعرون بالخطر
يستخرجونه
لينقذهم من ورطتهم.
والحال أن القلم قد اختفى
ولم يعد حرا
ولا مستأجرا
ولا أي شيء.
ولا يستطيع حتى إنقاذ نفسه
من خطر الانقراض.