هشام أعناجي ـ گود الرباط //
في سابقة سياسية نادرة منذ ثلاثة عقود، كاد مجلس النواب أن يشهد تقديم ملتمس رقابة رسمي ضد الحكومة، لولا انهيار المبادرة في اللحظات الأخيرة، بعدما قرر فريق الاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب الانسحاب من المشاورات، عبر إصدار بلاغ مفاجئ أربك حسابات باقي مكونات المعارضة، التي كانت تستعد لحدث برلماني غير مسبوق الذي تعرفه بلادنا منذ سنة 1992.
القصة، حسب مصادر “گود”، بدأت مساء يوم الاثنين 28 أبريل 2025، حين حضر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، إلى لجنة المالية بمجلس النواب لتقديم مرسوم الاعتمادات الإضافية. هناك، وفي الردهات، بادر رئيس الفريق الاشتراكي عبد الرحيم شهيد إلى طرح فكرة إحياء ملتمس الرقابة، مستنداً إلى السياق المالي والاجتماعي المحتقن، ومخاطبا زميله في المعارضة رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، بضرورة التحرك البرلماني الجدي.
ف 28 أبريل 2025، كانت فكرة طرح ملتمس الرقابة، ربما كانت آخر “كذبة” ف شهر أبريل، صدقها حموني وانخرطت فيها باقي مكونات المعارضة.. لأن صاحب “كذبة” أبريل هو نفسه من أسقطها أي الاتحاد الاشتراكي.
شهيد استطاع إقناع حموني بأن المعارضة تملك نصاب الخُمس الدستوري، اللازم قانوناً لطرح الملتمس، كما أكد أن جمع التوقيعات ليس بالعقبة الكبرى، بل أن الأمر قابل للتحقيق في ظرف أيام.
التحركات بدات.. وأوزين دخل على الخط
في اليومين المواليين، أجرى حموني اتصالات موسعة مع رؤساء باقي فرق ومجموعة المعارضة: إدريس السنتيسي (الحركة الشعبية)، عبد الله بوانو (العدالة والتنمية)، كما تحدث مباشرة إلى الأمين العام للحركة الشعبية محمد أوزين، لبحث إمكانية تقديم ملتمس رقابة ذي بعد سياسي وإعلامي قوي.
التحركات كانت تسير في اتجاه إيجابي، ووفق مصادر برلمانية، تم التوافق مبدئياً على طرح الملتمس، بل بدأت تطرح داخل اللقاءات المغلقة مسألة الشكل ومن سيتولى التقديم الرسمي.
بطبيعة الحال، يضيف مصدر “گود”، اقترح حموني نفسه كمرشح طبيعي لتقديم الملتمس، بحكم موقعه ومشاركته القوية في التنسيق، غير أن الاتحاد الاشتراكي تمسك بحق المبادرة، مؤكداً أن الفكرة تعود له، وأن تقديم الملتمس في الجلسة العامة من اختصاصه الرمزي والسياسي.
ولأجل تبديد الخلاف، وافق حموني على التنازل، وأعطى الضوء الأخضر لتمثيل الفريق الاتحادي، لكن المشاورات تعقدت من جديد بعد دخول محمد أوزين على الخط، إذ تمسك هذا الأخير برغبته في قراءة الملتمس داخل الجلسة العامة، وهو ما خلق حالة من التوتر بين مكونات المعارضة.
صيغة توافقية أولية.. وانقلاب اتحادي “غير مفهوم”
ومع اقتراب التوافق، عادت فرق المعارضة إلى طاولة التنسيق، وتم التوصل إلى صيغة مرحلية: الفريق الاتحادي يقدّم الملتمس، ومحمد أوزين يقرأ بلاغ المعارضة حول الملتمس، كنوع من توزيع رمزي للمهام يُرضي الجميع.
غير أن المفاجأة حصلت قبل ساعات فقط من الحسم، حين أعلن فريق الاتحاد الاشتراكي، عبر بلاغ رسمي، انسحابه التام من المبادرة، مكتفياً بتبرير موقفه بكلمات غارمة في العموميات عن “حسابات المرحلة ومآلات التنسيق‘‘.
هذا البلاغ أربك باقي مكونات المعارضة، خصوصاً أن المشاورات التقنية والسياسية كانت ما تزال جارية، والتوافق كان قريباً أكثر من أي وقت مضى، ما جعل البعض يتساءل إن كان الأمر يتعلق فعلاً بحسابات داخلية، أم بتدخلات خارجية أثّرت على موقف الاتحاد.
ملتمس رقابة.. إجهاض فواقع مافيهش أزمة سياسية
سياسياً، يقول مصدر في الأغلبية، بأن الظروف الحالية لا تُشكّل أزمة سياسية لتقديم ملتمس رقابة قوي. فالمعارضة تعاني من التشرذم وضعف التنسيق، بينما الحكومة تحظى بأغلبية عددية مريحة، وبسند مؤسساتي يجعل من الملتمس ورقة ضغط أكثر منه وسيلة فعلية لإسقاط السلطة التنفيذية.
وفوق هذا كله، فإن تجربة الملتمسات السابقة، منذ 1964 مروراً بـ1990 و1992، تُظهر أن هذه الأداة رغم مشروعيتها الدستورية، فشلت مراراً في إحداث التغيير، لأسباب مرتبطة ببنية النظام السياسي والتحالفات الحزبية المغلقة.
ما جرى في كواليس المعارضة خلال الأيام الأخيرة يكشف هشاشة المشهد الحزبي، ويعكس واقعا جديدا مفاده أن الملتمس فقد حجّيته الرمزية قبل أن يفقد جدارته القانونية.
تبريرات لشگر.. رفض التضليل ومحاولة اختلاس ملتمس الرقابة
وفي أول تعليق رسمي على انسحاب الفريق الاشتراكي من تنسيق ملتمس الرقابة، خرج الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر ليبرر القرار بكونه “نابعاً من رفض التضليل والرغبة في كشف الحقيقة أمام الرأي العام‘‘.
واعتبر لشكر، خلال اجتماع المجلس الوطني لحزبه، نهاية هذا الاسبوع، أن العدالة والتنمية حاول “اختلاس المبادرة”، بينما وصف المقترح الذي قدمه التقدم والاشتراكية لحل أزمة من يتلو الملتمس بأنه “عبث‘‘.
وأضاف لشكر أن حزبه، وبعد سنة ونصف من “التأمل الرزين في أدوات الرقابة”، تيقن من محدودية الوسائل الرقابية المتاحة، بسبب ما وصفه بـ”التغول الحكومي”، مشيراً إلى أن ملتمس الرقابة كان سيجبر الحكومة على الحضور إلى البرلمان. كما اتهم المعارضة بطرح مبادرة لجنة تقصي الحقائق في ملف دعم المواشي بشكل مفاجئ وغير منسق، رغم أن الاتحاد الاشتراكي كان يتحضر لهذا الملف منذ فترة.
وعن فشل التوافق، شدد لشكر على أن الاتحاد الاشتراكي ’’هو الأجدر” بتقديم الملتمس، بحكم التراتبية السياسية والمؤسساتية داخل المعارضة، مستنكراً ما اعتبره محاولة من بعض الفرق لـ”إقصائه من التقديم لصالح أطراف أقل تمثيلية”.