كود الرباط//
وصف عبد اللطيف وهبي وزير العدل، يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، خلال تقديمه لمشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية أمام مجلس النواب، هذا المشروع التشريعي بأنه ’’دستور للعدالة الجنائية”، لما له من أهمية كبرى في إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمواطن داخل الفضاء القضائي، وضبط معايير العدالة الجنائية بشكل يوازن بين شراسة الجريمة وضمان الحقوق الأساسية للأفراد.
الوزير أكد أن هذا المشروع يشكل لحظة فارقة في تاريخ التشريع الجنائي المغربي، مبرزًا أن المملكة لم تعرف منذ الاستقلال سوى نصين للمسطرة الجنائية، الأول سنة 1959، والثاني سنة 2003، وهو ما يعكس عمق وندرة الإصلاحات في هذا المجال.
وحسب عرض وهبي، فإن مشروع التعديل استند إلى مجموعة من المحددات الأساسية، أبرزها:
1/ الاستجابة لتطور الجريمة، حيث ارتفع معدل الجرائم منذ سنة 2003 إلى حدود اليوم بشكل مقلق، خاصة في الجرائم السيبرانية والابتزاز الإلكتروني والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
2/الملاءمة مع المعايير الدولية، من خلال تنزيل التزامات المغرب الحقوقية وتوصيات الهيئات الأممية، خصوصًا في مجالات مكافحة الجريمة وحماية حقوق الإنسان.
3/ أزمة الاكتظاظ السجني، إذ تجاوز عدد نزلاء المؤسسات السجنية 105 ألف سجين، وبلغت نسبة الاعتقال الاحتياطي 32%، بينما يخضع حوالي 400 ألف شخص سنويًا للحراسة النظرية، و500 ألف يُقدمون أمام القضاء.
4/ تبسيط الإجراءات الجنائية، عبر اعتماد مساطر مبسطة، وتعزيز العدالة التصالحية، واستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة.
5/ إضفاء البعد الإنساني على التنفيذ الزجري، من خلال آليات مثل السجل العدلي، رد الاعتبار، الإفراج المقيد، وتأهيل المحكومين لإعادة الإدماج.
مستجدات المشروع: حقوق الضحايا وتعزيز العدالة الإجرائية
كشف وزير العدل عن مجموعة من المستجدات التي حملها المشروع، ومن بينها:
1/ تعزيز حماية ضحايا الاتجار بالبشر، عبر ضمان مهلة للتعافي، وتوفير المساعدة النفسية والطبية، ومرافقة قانونية، وتعويض عن الأضرار.
2/ تعزيز حقوق الدفاع، خاصة في مرحلة التحقيق الإعدادي، مع إلزامية احترام الضمانات القانونية في جميع مراحل الدعوى.
3/ منع النيابة العامة من حضور مداولات المحكمة، حماية لمبدأ استقلال القاضي.
4/ النص الصريح على أن الصمت لا يُعدّ اعترافًا ضمنيًا، خلال مرحلة الحراسة النظرية.
5/فتح الباب لرد الاعتبار بمجرد أداء الغرامة، دون انتظار آجال طويلة كما كان معمولًا به.
6/ إعادة تنظيم تدخل الجمعيات، في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة، بشكل يراعي قرينة البراءة ويمنع التوظيف السياسي للقضاء. موضحا “بخصوص مركز الجمعيات في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة فإنه باطل أريد به حق، فالممارسة كشفت اختلالات في هذا الإطار وأن ما ورد من تعديلات على المادتين الثالثة والسابعة هو ليس بتقييد كما يدعون، وإنما ضبط وإعادة تنظيم ما يراعي قرينة البراءة من جهة، ويفتح المجال لمؤسسات الدولة وهيئات الرقابة المختصة لممارسة صلاحياتها انطلاقا مما تملكه من آليات وإمكانيات تؤهلها لحراسة المال العام”.
الوزير أشار إلى أن لجنة العدل والتشريع تفاعلت بشكل إيجابي مع عدد مهم من التعديلات التي قُدمت، وبلغت في مجموعها 1384 تعديلًا. وتم اعتماد العديد منها، خاصة تلك المتعلقة بتحسين الصياغة القانونية وتعزيز الانسجام مع النصوص الأخرى.
وأكد الوزير أن مشروع هذا القانون يشكل حلقة من حلقات الإصلاح الجنائي الشامل، إلى جانب قوانين أخرى مثل قانون العقوبات البديلة وقانون تنظيم المؤسسات السجنية، كما أنه يستند إلى مقاربات تشاركية اعتمدت المشورة مع كل المتدخلين المعنيين، من أجهزة حكومية وأمنية وقضائية، وكذا المؤسسات الوطنية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
في ختام عرضه، عبّر وزير العدل عن استعداده لمواصلة الترافع حول المشروع خلال مناقشته في مجلس المستشارين، داعيًا إلى عدم توظيف القانون في صراعات فئوية أو حسابات سياسية ضيقة، لأنه قانون يهم جميع المواطنين دون استثناء.
كما أشاد بجدية أعضاء لجنة العدل والتشريع وتفاعلهم مع المشروع، مؤكدًا أن التنزيل الفعلي للنص سيحتاج إلى تنسيق مستمر وتعبئة لوجيستيكية وبشرية، حتى تتحول بنوده إلى واقع يرسخ عدالة إجرائية ناجعة.