خالد أمكس – باريس ا//

في تحالف مقدس، اتحدت جماعات الاسلام السياسي مع أهل ذمتهم من اليسار الجذري في المغرب ليشنو هجوما على رجل انتقد المحكمة الجنائية الدولية ومن خلاله على حرية التعبير في سعي بائس لصناعة توافق حول قضية بعيدة يستعملونها للانبعاث من رمادهم.

وقد كتب هواة البكائيات وكتابة الخواطر، يكيلون الرجل بأبشع النعوت فيما انبرى أهل جماعة الاخوان المسلمين يبحثون في تراب قريش عن قصص اسطورية ليشبهوه بها ونعتوه بالخائن وغيره من الأوصاف التي تستهدف شخصه عوض أفكاره.

كنا ننتظر من الاسلاميين واهل ذمتهم من اليساريين جوابا على مضمون مقاله ونظرتهم لدور هذه المحكمة المثيرة للجدل، عوض التهجم على شخص طرح أفكارا مهمة تتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية في اطار نقاش دولي حول مصير هذه المؤسسة التي تسعى لتكون فوق وطنية.

وثارت ثائرة الحلف المقدس بعد استعمال حالة ناتانياهو لتوضيح كيف قامت المحكمة بالتطاول على نظام قضائي لدولة ذات سيادة قضائية باصدارها لحكم لايحترم حق الدول في الدفاع عن نفسها وهي المحكمة التي تم أنشاؤها في الأصل للنظر في حالات تغيب فيها انظمة قضائية وطنية الخ من الحجج التي كنا ننتظر من التحالف الاسلامي-اليساري الاجابة عنها.

كان من المفروض أن تتثير هذه الأفكار تساؤلات واستراتيجية في المغرب. فنحن كذلك عانينا من تغول هذه المؤسسات الغربية الفوق وطنية والتي لا تحترم لا تاريخنا ولا مؤسساتنا ولا وحدتنا الترابية.

دول عظمى مثل الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة لا تخضع لهذه المحاكم لأن العلاقات الدولية بما فيها قضايا السلم والحرب ليست مجال للقضاة. النظام الدولي، خاصة مع رجوع ترامب، سيسترجع طابعه الفوضوي التاريخي والطبيعي حيث الدولة هي أهم فاعل عوض المؤسسات الدولية.

إن الخائن الحقيقي هو الذي يضع قضايا بلده في مرتبة ثانية. وهذا للاسف ما نراه وسط الاسلاميين واهل ذمتهم في اليسار من الذين يضعون قضايا غيرنا في وضعية أسمى من قضايا شعبنا المغربي.

الوطن أوسع وأسمى من أن يدعي قليل من اليساريين وكثير من الاسلاميين تمثيلهم للشعب وهم من لفظهم الشعب في صناديق الاقتراع وتفطن لمحاولاتهم استغلال جثث مدنيي غزة لتجديد بكرتهم السياسية.

يتضامنون مع حماس وحزب الله ولا يتضامنون مع المدنيين الذين يعانون من مغامرة االحركتين المسلحتين.

ما يحدث في غزة واسرائيل مؤلم لأي انسان لكن هذا هو الواقع المر للحرب. الأوهام الليبرالية التي يتبناها الاسلام السياسي واليسار الجذري في تشذقهم بمؤسسات في طريقها إلى الزوال تظهر مدى التناقض الايديولوجي لهذه التيارات القزمية سياسيا في هذا البلد.

الدرس الذي علينا استيعابه كمغاربة هو أن ما فينا يكفينا وعلينا الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب حيث توازن القوى والردع من محددات العلاقات الدولية بينما سيتوارى دور مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية كالمحاكم الفوق وطنية والأمم المتحدة بنفسها. عليك أن تكون قويا أو ان تتحالف مع الأقوى والعمل على أن تكون قويا. الشعارات الفارغة وكتابة الخواطر والتشدق بالمؤسسات الفوق وطنية لن ينفع في شيء في عالم ترامب وانما تكرس الوهم والبكائيات.