ما بين التاسع من مارس،تاريخ الخطاب الملكي الذي أطلق فيه ديناميكية الإصلاحات السياسية، و التاريخ الذي سينتهي فيه هذا المسلسل، يعني إقرار الدستور الجديد، و انتخاب المؤسسات التشريعية و المجالية، الجهوية منها و المحلية، و إصلاح القضاء، و إقرار الديمقراطية الفعلية و هلم جرا مما يدخل كله فيما يسمى مسلسلا إصلاحيا….تمتد فترة جد ملتبسة، هي التي نعيشها..
إطلاق هذا المسلسل، هو اعتراف بفساد النظام الذي نعيشه….استمرار الحياة في ضل القوانين و المؤسسات الحالية، هو إقرار بأننا نعيش بشكل فاسد….و هو غطاء لتمرير العديد من المواقف و الممارسات..في انتظار إقرار الإصلاح المنشود…و الدخول في عهد دولة الحق و القانون…
تستحضرني هذه الفكرة و أنا أتأمل تقرير الطبيب الشرعي ، المتعلق بوفاة الشهيد كمال العماري….و الذي يتحدث عن "اعتلال رئوي واسع مع فقد الدماغ للأوكسجين. هذا الاعتلال الرئوي فاقم مفعول رضة صدرية غير معقدة، وأدى إلى الوفاة في غياب علاج مبكر ومناسب"
تستحضرني بلاغات الوكالة المغربية للأنباء، و هي تتحدث عن سكتة قلبية ،في استباق تام لنتائج التشريح الطبي،و في إبراز سوء نية مسبق لتضليل الرأي العام الوطني…
تستحضرني ،و باستغراب كبير اللغة المستعملة في البيان، و التي توهم القارئ العادي بأن الوكيل العام للملك بأسفي ، قد أتى فتحا مبينا، و هو يستعمل جمل تحتاج لمفك براغي كي يتم تشفيرها، و قد تم بالفعل ذلك، حيث استخلص الكثيرون من المحللين أن الوكيل العام، يريد بهذا البلاغ أن يؤكد أن الوفاة كانت طبيعية….
و مع ذلك، و في محاولة لتفكيك هذه اللغة،يمكن التطرق فيها لثلاثة مستويات، المستوى الأول هو الجملة التي تشير للإعتلال الرئوي الواسع مع فقد الدماغ للأوكسجين، و هي جملة بسيطة و تفهم من جميع القارئين، العاديين أو المتخصصين، إذ من الطبيعي أن الذي يعاني من الاعتلال الرئوي الواسع، يصعب عليه استنشاق الهواء المشبع بالأوكسجين، الضروري لمختلف أعضاء جسمه، بما فيها المخ…..
من المفيد أن نمر للجملة الأخيرة،قبل التطرق للجملة الوسطى،و التي تقول أن "و أدى إلى الوفاة في غياب علاج مبكر و مناسب" و هي بدورها جملة بسيطة،تقنع الجميع، بأن هذا الاعتلال صادف غياب علاج مناسب و مبكر،المبكر هنا تلقي المسؤولية على الهالك، الذي توانى في الالتحاق بالمستشفى ، و المناسب يلقي بالمسؤولية على الطبيبين الخاصين اللذان زارهما الهالك، ثم طبيب المستشفى الإقليمي،مما يضع هؤلاء أمام مسؤولياتهم التقصيرية…
الوكيل العام يوجد بين مطرقة الضمير و الضرورة السياسية،مما جعله يضع بين هاتين الجملتين، العبارة المفصلية التي تدين القوات التي تتدخل باسم الدولة، و التي جاءت كالتالي" هذا الاعتلال الرئوي فاقم مفعول رضة صدرية غير معقدة"…..
الجميع أعتقد أنه وقف أمام معنى رضة صدرية غير معقدة….و كلمتها المحورية "رضة" و التي حاولت البحث عن معناها في قواميس اللغة العربية، فلم أجد لها كينونة أصلا، و لربما كان يعني بها الوكيل العام للملك، الرَّضُّ و هو الدَّقُّ الجَرِيشُ. كما جاء في لسان العرب…و الدق الجريش هو الدق الغير الناعم…..
العبارة تقلب المعاني، لتجعل الطبيعي و هو الاعتلال الرئوي يفاقم الاستثنائي و هو الرضة أو الرض ،و ليس العكس، أي أن ضرب المواطن، و هو معتل برئته، فاقم هذا الاعتلال، و أرداه قتيلا….
ما هو عاد، و خاصة في ضل غياب شروط عيش كريمة و عناية صحية لائقة، هو أن يصاب المواطن باعتلال رئوي،و وفاته إثر هذه الإصابة شبه عادية…خاصة في بلد يولي أموره للقدر خيره و شره….لكن أن تكون الوفاة نتيجة رضة معقدة أو غير معقدة فتلك مسألة ينبغي التوقف عنها…و طرح الأسئلة اللازمة:
من عرض الهالك لهذه الرضة؟ و ما معنى أنها غير معقدة؟ و هل يسمح القانون بتعريض المواطنين لرض الغير معقد، و يمنع تعريضهم للرض المعقد؟؟؟
كان كمال العماري يعيش باعتلال رئوي واسع…..و لولا رضة قوات القمع لما مات….فقط هذا ما يمكن استنتاجه، و على ضوئه يجب تقديم القتلة للقضاء… أم أنها المرحلة الملتبسة…في إنتظار إقرار الإصلاح