يوسف شميرو مدير نشر “زمان” افتتاحية ع شهر يونيو////
كانت مقولة “حين يكون العقار بخير، يكون كل شي على خير”، في البداية مبتذلة، لكن بتعميمها أصبحت حقيقة ثابتة.
لكن يبقى معرفة كيف أصبح العقار قادرا على تحويل المادة إلى ذهب خالص. وكيف يسمح هذا العقار بتكوين ثروة من العدم، وأحيانا من دون بناء أي شيء.
الأمر أشبه بلغز وبكرة كريستال، والواقع ليس هناك أي لغز إذا حاولنا جاهدين أن نفك شفرة أصول وسيرورات تكوين مناجم الذهب الضخمة تلك، التي تظهر فجأة.
ففي البداية، كانت هناك عقارات وعمارات وبنايات أو أراضي غير مبنية في ملكية أجانب، فرنسيين وإسبان وسويسريين وبلجيكيين ومغاربة يهود، وأيضا مغاربة يقيمون في الخارج، ويشتركون جميعا في الغياب الدائم، بل إن بعضهم اختفى بشكل كلي لسبب ما.
في أسوء الحالات قد يكونون فارقوا الحياة، من دون أن يعمد ورثتهم إلى الظهور بانتظام. وفي أفضل الحالات، قد يكونون على قيد الحياة، وغالبا في عمر متقدم، لكنهم يقيمون في الخارج ولا يكترثون لتلك الثروة التي كونوها في ريعان شبابهم أو أثناء حياتهم النشيطة.
وكان يكفي أن يكون أولئك الملاك قد توفوا أو أصيبوا بآفة النسيان حتى يصبحوا، هم أنفسهم وممتلكاتهم، غنيمة جذابة ومثمرة.
سواء كانت تلك البنايات قد تم توريثها بشكل حقيقي أم مفتعل،
فإنها اكتسبت قيمة عقارية لا تقدر بثمن ما يجعلها عرضة للاستحواذ عليها بشكل قوي. لأنه يوجد ناهبون متخصصون في هذا النوع من البنايات، التي تبدو فارغة، لكن دون أن يعني ذلك أنها لا تعود لأشخاص يملكون ما يكفي من الوثائق، أو تعود لذوي الحقوق. يتوفر أولئك الناهبون على آليات تشتغل بشكل كامل وتمكنهم من وضع اليد على ممتلكات الغير، ويؤسسون شركات وهمية للتكلف بالمهمة، من خلال تزوير وصايا ووكالات وعقود البيع. وبمجرد ما يصبحون ملاكا في خرق سافر للقانون، يفوت هؤلاء الأفراد، الذين يسيرون تلك الشركات، ذلك العقار إلى طرف ثالث. الأخير ليس إلا مهندس تلك العملية كاملة. هنا اكتملت اللعبة، وأصبحت الملكية في يد أخرى، بعدما تم تجريد أصحابها الحقيقيين وورثتهم، الذين لن يكون بإمكانهم إلا ذرف الدموع في انتظار اللجوء إلى عدالة غير مرجحة التحقق. وذلك موضوع آخر سنعود إليه.
وحتى يسير هذا النظام، الذي يدور بشكل جيد، حتى النهاية تستدعي الضرورة وجود متواطئين في مناصب استراتيجية، منهم موثقون بارعون ومحافظون يفتقدون المصداقية وشهود زور.
كل هذا العالم الصغير القذر يتحرك على شكل العصابات المنظمة في وسط موازي وكدر تماما.
يتعلق الأمر بما تسميه الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية “مافيا العقار بالدارالبيضاء”.
لقد أصبح هؤلاء المفترسون ذوو الأنياب الحادة والأذرع الطويلة خبراء في التلاعب والالتفاف على المساطر القانونية. إنهم لا يهتمون بالبنايات المهددة بالانهيار لأنها كذلك، وإنما تحركهم قيمة البيع، بعد هدمها وإعادة بنائها، والتي تتحول إلى ظرف ثقيل من المليارات. وهكذا يصنعون ثروات يبدو أنها تنبع من العدم في قطاع تدور فيه المناورات الأكثر دناءة. كل ذلك يقع على مرأى ومسمع السلطات العمومية التي لا تتحرك بالشكل الكافي.
هناك حالات كانت موضوع تحقيقات معمقة في الصحافة. لكن سنتوقف على ملف خاص تفجر في الآونة الأخيرة. إنها قصة ثمانيني يملك أرضا تبلغ أكثر من هكتار وتقع على الطريق السيار بالقرب من عين السبع. تمثل تلك الأرض “جوهرة نادرة” في محيط حضري يتوسع بشكل كبير، حيث أصبح من النادر جدا إيجاد عقار مماثل يساوي وزنه ذهبا.
وجد صاحب العقار نفسه محاطا بعناصر من شاكلة أولئك المفترسين الذين يبحثون عن غنيمة سهلة. اقترحوا عليه، في البداية، أن يبيعهم الأرض بسعر اسمي بدا معقولا، غير أنهم عرضوا عليه وثائق وقع عليها من دون الاطلاع عليها كاملة.
ثم اكتشف، فيما بعد، أن الثمن المعلن هو مليونا درهم، أي أقل 50 مرة من القيمة الحقيقية للعقار. قصد الرجل العجوز، الذي تأثر كثيرا كأقربائه، الموثق على أمل إيجاد تفسير ما، لكن حين رفض استقباله، أصيب بأزمة عصبية وأغمي عليه، إلى حد أن حالته الصحية أقلقت الموثق المعني وعدد من المتواطئين معه في النصب، اضطروا معها إلى استدعاء سيارة إسعاف نقلته إلى مستشفى عمومي وتركته يواجه مصيره لوحده، وحين استعاد وعيه اتصل بأبنائه، مطالبا إياهم أن يأتوا ليأخذوه إلى بيته.
بعد ذلك، رفع أفراد عائلته دعوى أمام القضاء لإلغاء عملية البيع بتهمة النصب والاحتيال. غير أن الحال ظل على ما هو عليه، والأدهى أن محامي المشتكين اصطف إلى جانب المافيا، وتناسى عن قصد أن يقدم الطعن في المواعيد القانونية، وذلك ما يمثل مسا خطيرا بأخلاقيات المهنة وبمصالح الطرف المدني. إنه سهو إجرامي سمح لعصابة المافيا تلك بتسريع عملية البيع، التي نقلت خلال أيام وثيقة الملكية من الشركة الوهمية إلى الشركة الحقيقية. وتفسر تلك العجلة القيمة الحالية للأرض والتي أصبحت تساوي حوالي 100 مليون درهم.
يجب التذكير أن عصابة المافيا تلك متورطة، حتى الآن، فيما لا يقل عن 15 قضية جنائية من نفس الطبيعة توجد بين يدي القضاء، وبعضها موضوع بمكتب قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في انتظار إدانة المتورطين.
اليوم، يتشبث ذوو الحقوق ببصيص من الأمل أن لا تحفظ قضيتهم كما وقع في حالات أخرى.
وبديهي أن ضحايا هاته الممارسات يحاولون، بطريقة أو بأخرى، الدفاع عن حقوقهم لدى جميع المؤسسات المعنية والمختصة، ابتداء من القضاء الذي كان أول من أشعر بالأمر.
كما أن وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أحيط علما بالموضوع أثناء جلسة مخصصة للأسئلة الشفوية في البرلمان، وفيما أكد أن القضاء “سيعمل على إنصاف ذوي الحقوق، وفي الوقت نفسه، سيتخذ جميع الإجراءات ضد المتورطين في هاته الخروقات”، دعا الرميد الملاك “إلى مراجعة مصالح المحافظة العقارية، مرة كل أربع سنوات، قصد التأكد بأن ممتلكاتهم ما تزال باسمهم”. وهي دعوة أو نصيحة أقرب إلى الاعتراف بالعجز، ما دامت توحي بأن لا أحد محمي ضد هذا النوع من السلب. وهكذا، فإن الذين كانوا يعتقدون أن عقد الملكية يتوفر على ما يكفي من المناعة قد أنذروا.
ولذلك يمكن إدراك كيف أن ملفات من هذا النوع تغط في سبات عميق داخل أرٍوقة المحاكم منذ عقود. فبعد الاستقلال ورحيل المعمرين الأوربيين، أخذت هذه الظاهرة بعدا بنيويا وتفاقمت بشكل كبير، متخذة شكل بيت العنكبوت وقع في شراكه موظفون في سلك القضاء وموثقون ومحافظون عقاريون وآخرون.
على كل، لا يجب أبدا أن نتصور أن هذا اللوبي من المحتالين هو أقوى من كل السلط السيادية للدولة.
“زمان” تعدكم بالعودة، قريبا، إلى التفاصيل الكاملة لملفات هاته المافيا التي أصبحت تشكل مادة مرجعية في هذا الشأن.