في 22 مارس الماضي، وبعد أقل من شهر من جملة وردت في بورتريه للسيدة الأولى في سوريا أسماء الأسد، نشر في مجلة"فوغ" تقول إن سوريا هي البلد"الأكثر أمانا" في الشرق الأوسط، بعد ذلك قتلت القوات الحكومية ستة أشخاص في مدينة درعا الجنوبية، والتي كانت مسرحا لمظاهرات غير مسبوقة ضد النظام القائم.
هذا يعني أن النظام الذي يقوده زوج أسماء بشار الأسد، والذي كما انبهرت "فوغ" انتخب بنسبة"مثيرة" وصلت إلى 97 في المائة"، ففي سوريا، يضيف كاتب المقال بلطف، "الحكم وراثي". ولا يتأخر المقال المليء بالهزل طويلا عند هذه النقطة، ويختار بالأولى تكريم شخصية موضوعه بامتداحها إلى حد التملق، ويكتب مباشرة بعد المقدمة"أسماء الأسد امرأة غلامور، شابة وجد أنيقة، الأكثر نداوة وجاذبية من بين السيدات الأوليات".
إذا كانت "فوغ" أدانت نفسها بمقالها المتزلف، فإنها ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي كانت فيها أسماء موضوع إطراء غربي، ويكفي النظر على سبيل المثال إلى عرض صور 2009 المقترح من طرف"هافنتون بوست" حول"أسماء الأسد، سيدة سوريا الأولى وذات الجمال الطبيعي 100 في المائة"، أو أيضا موقع "جمعية خريجي هارفارد العرب"، والذي قام في منتصف مارس بالترويج لحدث شاركت فيها أسماء، ممجدا بطريقة لا تصدق، المشجعة الكبرى لـ"مجتمع مدني قوي ومستقل".
يظهر بشكل جلي أن حضور السيدة الأسد الشخصي يعتبر كنوع من النعمة التي حظوا بها، إلى درجة أن الجمعية لم تتردد في إغلاق أعينها أمام تفاهات مثل، وعلى سبيل الصدفة، الحصيلة المرعبة لحقوق الإنسان في سوريا.
وكما يسخر مقال لرويترز حول الموضوع"إنها حقيقة معترف بها كونيا، فحين يريد دكتاتور أن يكون مقبولا من المجتمع الغربي كما يجب، فعليه بالضرورة أن يبحث عن زوجة فاتنة وغلامور".
ليست أسماء الأسد هي الزوجة الوحيدة الفاتنة لزعيم شرقي والتي تثير أكثر فأكثر الاشمئزاز، ففي الأشهر الأخيرة، تمت الإشارة بالأصبع إلى كثيرات من زوجات قادة المنطقة باعتبارهن رمزا لاختلال أنظمة أزاجهن في بلدانهن وفي الإعلام الدولي، مثل الملكة رانيا العبد الله الجد كوسموبوليتية، والأكثر تواجدا في أغلفة مجلات الموضة من أسماء الأسد. إنهن ماري أنطوانيتات اليوم.
بتوجيه السؤال إلى امرأة غربية متوسطة حول ما تراه مناسبا لتحقيق تقدم دال في الشرق الأوسط، هناك حظوظ كبيرة بأن تشير من بين أشياء أخرى إلى ضرورة منح النساء إمكانيات أكبر، وبالنسبة إلى عدد من القارئات الأمريكيات، فإن الجيل الجديد من الزوجات والبنات الماديات والمثقفات للقادة الشرقيين يظهرن كرمز بارز على التقدم والإمكانياتالنسائية، هؤلاء النساء اللواتي لا ينحصرن فقط على رانيا ولكن أيضا على من سبقتها، وهي الملكة نور والأميرة للا سلمى في المغرب وحتى طريدة صحافة التابلويد خديجة الجمال زوجة ابن حسني مبارك التي تعمل في شركة العقار التابعة لوالدها.
لكن اسألوا مواطنة من واحدة من تلك الأمم حيث تعتمل الثورات ما هو المشكل الأكبر في بلدها، إذ من المحتمل أن تشير إلى غياب الحكم الديمقراطي واللامساواة والفقر المدقع، حيث تعتبر رانيا ملكة أحد البلدان الأكثر فقرا في المنطقة رمزا لذلك.
إن الملكة رانيا ومن خلال عدة مظاهر تعتبر النموذج الأبرز والشائك الذي يمثل هذا التناقض..فقد انتخبت امرأة السنة الأكثر "غلامور" عام 2010، وهي مكافأة يمكنها أن تضيفها إلى عضويتها في نادي الشخصيات الأكثر أناقة لـ"فانيتي فير" وإلى ترتيبها على بوديوم فئة النساء الأكثر قوة في العالم الخاص بمجلة فوربس".
إذا كان رؤساء تحرير المجلات الذين يضعون هذه اللوائح مفتونين بها، فليس لأنها تمتلك جسدا لا نظير له وجيوبا مملوءة وأصدقاء مهمين، وإنما لأن أجندتها تطفح بالتزامات جمة تبدو كما لو أنها تلغي كليشيهات النبالة الخاملة والمرأة المسلمة الخاضعة، فهي تعمل مع جمعيات عدة بدءا من اليونسيف وصولا إلى عملية بسمة، مع تأسيسها لهيئات مثل"جوردان رايفر فونديشن" و"أراب وومنز أورغنزيشن".
وتقول عنها ويندي مردوخ، زوجة روبرت"إنها امرأة حداثية، وبالنسبة إليها أن تكون ملكة هو عمل، حيث تواجه كل هذه المشاكل، مثل حقوق النساء وتطوير مستوى عيش الأردنيين، الذين يحبونها فعلا".
ومن خلال عدة جوانب، يتلاءم مظهر رانيا بشكل لائق مع الأفكار الغربية حول الشكل الذي يمكن أن تكون عليه امرأة عربية متنورة، فهي لا تقول فحسب ما تؤمن به، بل إنها أيضا غير محجبة وترتدي تقريبا كل ما يحلو لها.
الصحفية الذي أنجزت بورتريها عنها في مجلة"فوغ" اعترف ضمنيا بهذا الجانب من فتنتها بكتابتها"يمكنني النظر إلى رانيا.. دون القيام بافتراضات، لكني باعتباري امرأة غربية، لا أستطيع منع نفسي من القيام بافتراضات حين تختبئ امرأة لا وجه لها خلف نقاب أو برقع".
إلا أن صورة رانيا ليست رائعة بالكامل في بلدها، إذ تشرح سناء سعيد، مدونة في موقع مسلمة ميديا واتش ، المشكل في رسالة إلكترونية "إنها وبدل أن تتحدث مع الشعب الذي تسعى إلى تمثيله، تعمل رانيا على التعالي عليه".
الأردنيون لا ينظرون بعين الرضا إلى عاداتها المبذرة، فملابسها الفاخرة التي تمنحها شرف التواجد ضمن لوائح النساء الأكثر أناقة من الصعب تقبلها في بلاد يعيش 25 في المائة من سكانها في الفقر.
وأثناء المظاهرات الأخيرة في الأردن كتب مجموعة من ممثلي القبائل البدوية رسالة مفتوحة وغير مسبوقة ينتقدون فيها الملكية ويتهمون رانيا بالفساد والإسراف في الإنفاق.
وكمثال على ذلك، عيد ميلاد الملكة الأربعين، الذي وصفته مجلة"سبكتاتور" على الشكل التالي: "ستة مائة مدعو تم أخذهم بالطائرة من كل أنحاء العالم، كما تم زرع رقمي 40 عملاقين في قمة جبل صخري، في حين لا تتوفر القرى المجاورة حتى على الكهرباء، ويتحدث السكان أيضا عن الماء الذي استعمل لتبليل الرمل قصد تسهيل السير على المدعوين، والحال أن المنطقة تعاني من نقص حاد في المياه".
قارن بدو القبائل رانيا بالمبذرة الوقحة ليلى طرابلسي زوجة الرئيس التونسي المنحى زين العابدين بن علي، والملقبة بـ"إميلدا ماركوس العالم العربي"، وسواء كانت المقارنة أو بشكل أعم اتهامات الفساد مبنية على أساس أو أنها باطلة، فإن التنبيه إليها يكفي لإثارة الانتباه حول التناقض بين عاداتها الشخصية والقيم التي تدافع عنها أمام العموم.
ومع ذلك، من الصعب تخيل رانيا ومثيلاتها يفقدن الحظوة الممنوحة لهن على مستوى المشهد الدولي، حتى في وسط الحراك الحالي، ما دمن باقيات في السلطة.
مجلات المشاهير تستهويها العائلات الملكية، وإذا كانت الملكات لسن عملة رائجة في مناطقنا، فإنهن متوفرات بكثرة في الشرق الأوسط، حيث كان بورتريه مجلة"فوغ" واضحا بخصوص هذه النقطة: " هناك في الواقع قلة من النساء المؤثرات في العالم بمستواها، وهن لسن ملكات زيادة على ذلك".
هذا يثير النوستالجيا، ويذكر بسوداوية حقبة جاكي كندي والأميرة ديانا( اللتين مازالتا تتصدران الصفحة الأولى لـمجلة "فانيتي فير" بعد مضي سنوات على رحيلهما)، إلا أن سخرية القدر هو أن أسلوب الحياة المثير الذي دفع تلك النساء إلى واجهة المشهد العالمي هو نفسه الذي يجعلهن اليوم عرضة للانتقاد.
لقد جعلنا منهن قدوة ومثالا لتحمل المسؤوليات لدى النساء، مثالا تمنيناه وعلقنا عليه أمالا معتقدين بأنه سيحمل التغيير إلى الشرق الأوسط، لكننا لم نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن هؤلاء النساء هن رمز لمجتمع لا يلجم فقط نساءه بل وحتى الغالبية العظمى من رجاله
