حميد زيد ـ كود//

منذ السبت الماضي واللحم لا يكف عن الضحك من كلمة ألقاها نزار بركة.

وليس وحده.

بل حتى الدجاج الحي والمذبوح.

والصدور.

والأفخاذ.

والنقانق.

والأجنحة.

والكبد.

والشحم.

بينما ظلت الكفتة.

كل الكفتة.

ومتبلة.

ودون توابل.

ظلت تشهق.

وتقهقه.

وفي مركز جماعة اولاد فرج.

التي نظم فيها حزب الاستقلال مهرجانا خطابيا.

استلقى قطيع من الغنم على ظهره.

وظل يضحك هو الآخر.

بعد أن استمع إلى كلمة الأمين العام لحزب الاستقلال.

وقد كاد خروف معلق في خطاف أن يسقط على الأرض.

لولا تدخل الجزار في آخر لحظة.

كما ركضت الأكرع لا تلوي على شيء.

وليس لأن نزار بركة وزيرا في الحكومة.

وينتقدها.

لا.

ليس لهذا.

وليس لأنه مسؤول.

بل لأن اللحوم لم تكن تتوقع أن يحتج على غلائها وزير التجهيز والماء.

لأنه ليس من عادته أن يحتج على أي شيء.

ولأنه شخص لطيف.

وأنيق.

ونبرة صوته لا تسمح له بأن يخاطب الناس.

والبسطاء.

المتضررين من ارتفاع أسعار اللحوم.

وأين.

في اولاد فرح.

كما أنه هادئ بشكل مبالغ فيه.

واللحم على لسانه لا يعني اللحم.

ولا يشوى.

ولا يصعد منه دخان.

ورغم أن نزار بركة انتقد جشع الباعة والمتاجرين في استيراد اللحوم.

وتحدث عن الأثمان.

وعن هامش الربح الكبير الذي يحصلون عليه.

إلا أنه تعذر عليه أن يكون شعبويا.

لأن الشعبوية.

ورغم سلبياتها.

وحمولتها القدحية.

فإنها تبقى فنا.

وغير متاحة للجميع.

وقد ينجح نزار بركة في مخاطبة النخبة.

والدولة.

والإعلام.

لكن من الصعب جدا أن يتحدث إلى الناس بلغتهم في اولاد فرج.

أو في أي مكان آخر.

ولذلك لم يصدقه اللحم.

وقرر أن لا يتنازل.

وأن يحافظ على سعره المرتفع.

أما الدجاج فقد أصابه الغرور حين تكلم عنه نزار بركة.

فقرر أن يطير عاليا.

وأن يتعطر.

وينظر من فوق نظرة متعجرفة إلى المغاربة.

في حين انتعش التجار الكبار.

وهم يسمعون نزار بركة يتحدث عنهم.

و يحملهم المسؤولية.

ويحاول جاهدا أخذ مسافة من الحكومة.

والابتعاد عنها قدر المستطاع.

استعدادا للمقبل.

ولحكومة المونديال.

بينما لم يتوقف اللحم عن الضحك.

ومعه الدجاج

والعجول

والخرفان

و أصحاب محلات الجزارة.

وكبار التجار.

والمستوردون.

وكأن الأمين العام لحزب الاستقلال قام بدغدغة اللحم في إبطه.

ومن يوم السبت هو يعيد الاستماع إلى كلمة نزار بركة

ناظرا  إلى المغاربة

مشفقا عليهم

من هذا الديكلاج الكبير.

ومن هذه الفجوة.

التي لا تفتأ تتسع.

بين المواطن المغربي.

وبين المسؤول الحكومي.

الذي لم يعد يهتم بمخاطبة الناس

ولا يفعل ذلك إلا مضطرا

مع الاستعداد للحملة.

فيحاول أن يخاطبهم.

ويقترب منهم.

ويغريهم باللحم.

لكنه يبدو  بعيدا عنهم رغم كل المجهودات التي يبذلها في التواصل.

ويظهر كما لو أنه يعيش في مغرب

والناس في مغرب آخر.

ومن طول غياب الأحزاب والمسؤولين عن لقاء المواطنين.

ومن خروجهم هذه الأيام دفعة واحدة

واهتمامهم بالمغربي وحاجته إلى اللحم

والبيض

والدجاج

فإن اللحم نفسه يستغرب من ذلك

ويتعجب

مكتفيا بالضحك من محاولة الأمين العام لحزب الاستقلال

كسب قلوب الناس

وبطونهم.

ليظهر بنبرة صوته

وبتجريب أن يظهر قريبا من همومهم

ومن شوقهم إلى اللحم

كما لو أنه يغيظهم ويستفزهم.

ولو كان الدجاج يتكلم

ولو كانت الخرفان والعجول لها صوت

لنصحت نزار بركة بأن يكف عن أن الاقتراب من الشعب بهذه الطريقة.

وأن يستعين بشخص آخر يبرع في لعب هذا الدور.

يضرب المنصة بيديه

ويصرخ

ويلمس هوش المغاربة

وحرمانهم

ويذكر هم بماضيهم المجيد.

وبذكرياتهم.

وبمناسباتهم.

وأعيادهم.

وبالزمن الجميل الذي كانوا يلتهمون فيه اللحم.

ويشوونه.

ولا يكتفون بالنظر إليه.

كما يقع هذه الأيام.

إلا أن نزار بركة لم يفعل ذلك رغم نيته السليمة.

ولو استمر في جولته

وفي حملة حزبه.

بهذا الأسلوب.

وبهذه النبرة.

والطريقة.

فلن يضمن أحد أن لا يأكله

شخص غاضب ومتضرر ومحروم منذ مدة من اللحم.