حاولت أن أتابع المواقف لأفهم الأسباب التي تجعل هؤلاء الأفراد يخرجون للتظاهر، فلم أجد شيئا مقنعا. في مصر وفي ليبيا وفي تونس كان المطلب واضحا: “القذافي، ارحل”، “مبارك، ارحل”، “بن علي، ارحل”. في المغرب، بماذا يطالب المحتجون؟ بالتغيير؟ لقد تم الإعلان عنه في خطاب التاسع من مارس ورأيت على الأنترنيت أشد المعارضين يصفقون له. بعد ذلك، بدأت أقرأ ببعض من الدهشة عبارات من قبيل: “لقد سمعنا خطاب الملك، لكننا لم نرَ شيئا بعد”. هل كنا نتوقع عصى سحرية ستحل مشاكلنا في خمسة أيام وبدون معلم؟ أصوات أخرى تحتج قائلة: “مرة أخرى، التغيير يأتي من الملك”. هذا هو ما نسميه في المغرب: “إنا عكسنا”. لو لم يستجب الملك لنداءات الشارع، لاحتج الجميع بسبب تجاهله لمطالب الشعب، وحين يستجيب، بل ويستبق المطالب، يحتج نفس الأفراد على أساس أن التغيير لا يجب أن يأتي دوما منه. هل تصبح المعارضة والاحتجاج هواية أو هدفا في حد ذاته؟

لقد تم تعيين هيئة ستشتغل على مشروع دستور جديد. هل اقترح المحتجون تعديلات معينة على الهيئة فرفضتها هذه الأخيرة؟ هل تم تأسيس أي تأطير حزبي أو إعلامي أو جمعوي لمتابعة أشغال الهيئة وتم الوقوف على خلل في أسلوب ومنهجية عملها؟ لماذا نستبق الأحداث ونخرج إلى الشارع؟ “يجب أن يستمر الضغط على الهيئة حتى لا تتصور أننا سلمنا لها أمورنا بشكل نهائي”. يا سلام… أي أن الهيئة ستقوم بعملها بجدية أكبر إذا ما رأت بأن المغاربة يخرجون إلى الشارع كل يوم أحد؟ أتمنى صادقة أن لا يكون أصحاب هذه الشعارات مؤمنين بها بشكل فعلي وإلا فسأصاب ببعض الإحباط.

هناك شيء آخر يسترعي انتباهي: التوجه الحالي في المغرب لن يسمح بأي شكل من الأشكال بأن يتم تزوير الاستفتاء حول التعديلات الدستورية. أي أنه في آخر المطاف، وإضافة إلى كل ما سبق،  ستبقى أمامنا إمكانية التصويت ب “لا” لمشروع الدستور الجديد الذي ستقترحه الهيئة. هل استنفذنا كل هذه الميكانيزمات الديمقراطية لكي نخرج إلى الشارع للاحتجاج من جديد، أم أنه أزعجنا أن نقرأ التعليقات الدولية الإيجابية بعد خطاب الملك، فقررنا أن نهدي الصحافة الدولية موضوعا دمويا جديدا تركز عليه من جديد؟

خرجة الثالث من عشر مارس ليست بالنسبة لي إلا أحد تمثلات ثقافة “إنا عكسنا”. من غير المعقول ولا المنطقي أن نتصور بأن الهيئة التي تشتغل على إعادة صياغة الدستور ستقوم بعملها بشكل أفضل إذا تم الاعتصام في شوارع المملكة كل يوم أحد. إذا كنا نريد التغيير، فعلينا أن نبدأ من أنفسنا: أن نتعلم أن هناك واجبات، تماما كما أن هناك حقوق؛ أن نتعلم احترام القوانين وتجاوز ثقافة المحسوبية التي يمارسها كل منا على مستواه؛ أن نتعلم احترام الصف في الإدارات والمحلات التجارية؛ أن ننخرط في العمل السياسي أو أن نبدأ على الأقل في التفكير بنضج في التوجه السياسي الذي يمكننا أن نصوت له في 2012؛ أن ندخل بكثافة إلى الأحزاب لنفرض عليها موجة تغيير جديدة؛ أن نصبح مواطنين حقيقيين نساهم بشكل فعلي في التغيير. هذه هي الثورة الحقيقية التي علينا أن نشتغل عليها اليوم، والتي ستأخذ بالتأكيد سنوات طويلة قبل أن تحقق نتائجها. ما عدا ذلك، فما هو إلا معارضة من أجل المعارضة… وقد نخسر فيها أكثر مما نكسب.