كود : يونس أفطيط//

لماذا أنا بين الملايين أحب كرة القدم وتستهويني هذه اللعبة لكنني لا أعشقها مثل البقية، لماذا أقع دائما بين الجانبين، جانب عاشق للمستديرة ويضحي بكل شيء من أجلها، وآخر لا يرى فيها أي شيء سوى كرة جلدية ألقوها بين 22 شخصا وجعلوهم يلهثون وراءها.

لماذا لا أترك عملي حين تكون هناك مقابلات كبرى وأكتفي فقط بمشاهدة الاهداف بعد المقابلة؟، وحتى حين لا يكون لدي مقال أكتبه أفضل أن أبحث عن واحدا على أن أضيع 90 دقيقة في مشاهدة المقابلة وحرق أعصابي.

لست أعرف الجواب تمام المعرفة، ولا علم اليقين، فأنا بين الكره والحب أقع في المنطقة الرمادية، وأنا حالة شاذة في مجتمع يحب بجنون أو يكره بحقد مطلق، أنا واقع بالفعل في مجتمع يجمع بين الاثنان، يحب بعمق فريقه ويكره بشكل مطلق خصم فريقه، لقد صار الكره والحب عندنا ثقافة، وصار عندنا السب والقذف دفاعا عن الفريق أمر محمود ويظهر مدى تشبثك بفريقك وأي مرتبة وصلتها في هذا الحب العذري الذي يأخذ منك أكثر مما يعطي.

لا أحد يكره الكرة التي يلعبون بها، رغم أنها هي الوحيدة التي تجعل هؤلاء يبكون والاخرين يضحكون ملئ أفواههم، لا أحد يكره الحكم، ولا أرضية الملعب ولا المدرجات، فقط يجيدون كره بعضهم البعض وكره اللاعبين والمدربين ومسيري الفرق.

إذا كنت لا تحب بعمق ولا تكره بعمق أيضا وفي نفس الوقت، فأنت لست بمشجع ولست أصلا بفاهم لقواعد اللعبة، وستكون عالة على الفريق الذي تميل إليه ويعجبك أداؤه، لا يتوجب أن تميل في هذه اللعبة حسب ثقافتنا الرياضية إلى الفريق الذي يعرف كيف يلعب وكيف يفوز بكل روح رياضية، بل يجب أن يبقى قلبك معلقا دائما بفريقك، لماذا؟ لأن عقليتنا قبلية حتى وإن كان النظام القبلي أصبح بائدا.

لماذا أنا إذا لا أعشق فريقي بجنون، يقول لي أحد مجانين الكرة الذي قد يفوت موعد ولادة زوجته ولا يفوت مقابلة كروية، أنت لست بمشجع ولست أصلا بمحب لكرة القدم، أنت فقط تحاول أن تغيظ المشجعين بتشجيع الفريق الخصم دائما!.

قبل سنوات عديدة كنت أشاهد المقابلات، كنت أتسمر أيضا لمدة 90 دقيقة لا أتزحزح لأشاهد الفرجة وأحزن وأفرح، لكنني لم أكن أحقد على هذا أو ذاك، وكانت الكرة تنتهي بالنسبة لي بمجرد أن يصفر الحكم، كأني واحدا من ال22 لاعبا، أنصاع لأوامر الحكم وأوقف الحديث عن المقابلة أو سب أحد اللاعبين أو المدرب لأنه أخطأ، والفرق بيني وبين اللاعبين، هو أنهم يتقاضون أجورا، وأنا أساهم في رفع أجورهم لأني أميل لأداء أحدهم وأشجعه أكثر من الآخر.

وبعد كل هذه السنوات وبعد أن إنقطعت عن المشاهدة، إكتشفت المفاجأة، أنا لست رقما في المعادلة، لا أحد لاحظ غيابي، على عكس اللاعبين، إذا عطس سيراقبونه، سيحللون عطسته، ولماذا عطس بهذا الشكل وفي هذا التوقيت بالذات؟، لكن لا أحد لاحظ أنني إختفيت ولا أحد لاحظ أني لم أعد مولعا بالمستديرة.

أتعرفون أمرا، لم أسمع بالشغب الذي وقع أول أمس في الملاعب إلا متأخرا، لم أعلم به، وكأني من كوكب آخر، لقد صرت أعيش وحيدا وبين كل المجتمع صرت أنثى لا تهتم بالكرة، حتى أن الاناث صرن أكثر إهتماما مني بكرة القدم.

مثل السينما الامريكية، أصبحت كرة القدم في الغرب صناعة، ومثل السينما المغربية لازالت المستديرة في المغرب هواية، حتى وإن كان لدينا محترفون، حتى وإن كانت لدينا جامعة، حتى وإن كان لدينا منتخب ومسجلون في الفيفا، ونلعب كأس العالم وإفريقيا، وحتى لو لعبنا كأس المجرات، سنظل مجرد هواة، لماذا؟ لأننا لا نفكر في صناعة اللاعبين والجمهور.

في بريطانيا حين وقعت كارثة هيسل وتوفي فيها 39 مشجعا، كان الامر شرارة من أجل إيقاف شغب الملاعب، ورغم كل المحاولات التي فعلتها بريطانيا من بناء خنادق تجييش الامن لمراقبة الملاعب فإن الامر لم يأتي أكله، فقط أمر وحيد بدأ يعطي النتيجة وكان “المنع الابدي للمخالفين من دخول الملاعب” بالاضافة إلى رفع ثمن التذاكر ومنع المخمورين من الدخول للملاعب وزرع الكاميرات في كل جنبات الملاعب، فقد تيقنت السلطات الانجليزية أن التنظيم لا يأتي بالقمع، وفكرت جيدا وخرجت بخلاصة، التنظيم يستوجب قطع رؤوس الفتنة من جذورها ومنعهم من ممارسة هوياتهم المفضلة وهي الشغب، بعد ذلك أرادت إنجلترا إبراز أن الجمهور الانجليزي صار راقيا بشكل كبير فجعلت مدرجاتها الاقرب للاعبين حيث لا يفصل بين اللاعبين وبين المدرجات سوى متران أو ثلاثة ولم يعد هناك وجود للخنادق في هذه الملاعب ولا السياجات الفاصلة ولا قوات مكافحة الشغب.

الآن أقول لكم لماذا أنا بين العشق والكره، لأنني أيقنت أن القائمين على شؤون الكرة أغبياء، وغباءهم يولد عنف وشغب الملاعب، ولا يمكن أن أشاهد مقابلات منظيمها والواقفين وراءها أغبياء، لا يمكن أن أشاهد المجازر تتم بإسم الروح الرياضية، والسبب أن من يقومون بشؤون الكرة في المغرب جربوا كل شيء للحد من الشغب إلا أن يجربوا التفكير بعقولهم.