أسباب إخفاق رفاق خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو عديدة ومختلفة ، منها ما هو مرتبط بالتدبير الداخلية لأوضاع الاسبان من قبل الحكومة الاشتراكية، إضافة إلى الأوضاع التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية على المجتمع الاسباني و منها ما يرتبط بالمواقف الخارجية لحكومة ثاباتيرو من مجموعة من القضايا تأتي قضية الصحراء وما يرتبط بها من تجاذبات على رأسها. كلنا يتذكر كيف أطاحت تفجيرات قطارات مدريد ،مارس 2006، برأس الزعيم الشعبي خوسي ماريا أثنار ليلة الانتخابات وكيف خلفت استياء كبيرا لدى الشعب الاسباني جراء الدعم اللامشروط الذي قدمه أثنار لحرب بوش على العراق و هو الشيء الذي أذكى حقد منفذي الهجمات على اسبانيا حسب بعض المتتبعين. وهي الهدية التي تلقفها الاشتراكيون لتدشين عودتهم القوية إلى رئاسة الحكومة الاسبانية.

لعنة ” أكديم إيزيك” تلاحق حزب ثباتيرو
حملت نتائج الانتخابات المحلية الاسبانية ليوم الأحد 22 مايو 2011 الحزب الشعبي الاسباني اليميني إلى المرتبة الأولى في الخريطة السياسية الحالية بإسبانيا وعصفت بالحزب الاشتراكي العمالي إلى مرتبة لا يتمناها له أتباعه ولم يكن يتصورها حلفاءه وبينهم المغرب بالتأكيد. من المؤكد أن بوادر هذه النتائج لاحت خلال الانتخابات البلدية بمنطقة كاتالونيا شهر نونبر الماضي حيث حصد حزب ثاباتيرو، عكس الحزب الشعبي، نتائج كارثية في إحدى معاقله التاريخية .
منذ ذلك الحين والحزب الشعبي يتحين الفرص ويسجل النقاط لصالحه في مرمى الاشتراكيين، تارة بمعارضة سياستهم الداخلية وتأليب الرأي العام الاسباني ضد مشاريعهم السوسيواقتصادية ، وتارة بتوجيه النقد اللاذع و المعارضة الشديدة لسياستهم ومواقفهم الخارجية. وفي خضم تلك الحرب الخفية بين الحزبين ظهر مخيم اكديم إيزيك والذي عرف دعما قويا من الرأي العام الاسباني و كذا من وسائل الإعلام الاسبانية، و تبنت خلاله حكومة ثاباتيرو مواقف داعمة لأطروحة المغرب بشأن أحداث اكديم ايزيك و هو الشيء الذي اعتبرته فئات عريضة من الاسبان محابيا للمغرب و متنكرا للصحراويين وحقوقهم.
خلال تلك الفترة شنت وسائل الإعلام الاسبانية حملة شرسة ضد ثاباتيرو وحزبه مبرزة مواقف الحزب الشعبي و التي كانت في مجملها تحاكي مواقف الشعب الاسباني المناصر بالفطرة لحرب البوليساريو على المغرب في مختلف المجالات سواء السياسية، الحقوقية أو الاقتصادية. ومن بين النتائج الآنية لذلك استدعاء ثاباتيرو و وزيرة خارجيته ترينيداد خيمينيث إلى البرلمان الاسباني بغرفتيه ومساءلتهم عن مواقفهم من المخيم وتبعاته واستصدار قرارات قاسية ضد المغرب حاول الاشتراكيون الحيلولة دون صدورها لكن بلا جدوى.
تعتبر قضية الصحراء من القضايا المحورية في السياسة الخارجية الاسبانية، وقد شكلت دوما إحدى الأوراق المهمة و الحاسمة التي يستعملها الحزبان الرئيسيان في اسبانيا ، الشعبي و الاشتراكي، في مغازلة الرأي العام الاسباني ومحاولة استمالته عبر محاكاة مواقفه و المتمثلة أساسا في دعم المطالب السياسية للبوليساريو،توفير الدعم الإنساني ، الدعاية الإعلامية ومؤازرة المعارك الحقوقية والاجتماعية للصحراويين (إبعاد الناشطة أمينتو حيدار، مخيم اكديم ايزيك و تداعياته…) حلقات استخدام ورقة الصحراء في السياسة الداخلية لإسبانيا انطلقت منذ اندلاع النزاع السياسي والعسكري حول الصحراء، و كانت أولاها الزيارة المشهودة للزعيم الاشتراكي الشهير ” فيليبي كونزاليس ” لمخيمات اللاجئين الصحراويين بتند وف بتاريخ 14 نونبر 1976 وهو التاريخ الذي يصادف الذكرى السنوية للتوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية والتي قسمت بموجبها الساقية الحمراء ووادي الذهب بين المغرب وموريتانيا، وحصلت اسبانيا على امتيازات اقتصادية في الفوسفاط و الصيد لا زالت أثارها بادية حتى الآن . في ذلك اليوم ألقى الزعيم الاشتراكي الشاب خطابا حماسيا دغدغ مشاعر حشود اللاجئين الصحراويين الذي انتصبوا كالتماثيل للاستماع إلى ما اعتبروه آنذاك كلمة حق، واكتشفوا لاحقا أنها خدعة. كونزاليس الذي انتقد اتفاقية مدريد و عبر عن مساندته للاجئين الصحراويين ودعمه لقضيتهم ، هو نفسه الذي عرفت خلال فترة رئاسته للحكومة الاسبانية العلاقات المغربية-الاسبانية أزهى مراحلها و شكلت أسوأ فترة بالنسبة للبوليساريو و اللوبي الداعم لها في اسبانيا.
اللعب الاشتراكي على ورقة الصحراء من أجل استمالة الجمعيات المساندة للبوليساريو استمر إلى عهد قريب حيث ظهرت وزيرة الخارجية الاسبانية الحالية في أحد التجمعات المساندة للبوليساريو وهي تخطب أمام حشد من الاسبان مرتدية قميصا يحمل علم البوليساريو وذلك قبل توليها حقيبة الخارجية التي بمجرد أن تولتها أظهرت ميولا كبيرا في اتجاه المغرب مما يبرهن أن الدعاية و الحشد شيء و ممارسة السياسة و الاصطفاف خلف المصالح شيء أخر.
المواقف الأخيرة للحزب الاشتراكي من تطورات ملف الصحراء، قضية أمنتو حيدر ومخيم أكديم ايزيك على وجه الخصوص، جعلت خصومه، وعلى رأسهم الحزب الشعبي و حزب اليسار الموحد، يعبئون الرأي العام ضده ويسجلون النقط في مرماه بداية من الانتخابات المحلية بكاتالونيا وصولا إلى انتخابات الأحد الفارط المحلية. ففي عز الحملة الانتخابية تم استنساخ” ظاهرة اكديم ايزيك” في قلب مدريد بساحة ” بويرتو دي صول” و تم عرض أفلام تسجيلية عن مخيم اكديم ايزيك وتمرير تسجيلات مرئية للمسؤولين الاشتراكيين تبرز طريقة تعاطيهم مع الحدث، وهو الشيء الذي دفع بأنصار البوليساريو إلى الانخراط الفعال في حملة إسقاط ثاباتنيرو و حزبه وهو ما تأتى لهم بعد أن سقط الاشتراكيين في الانتخابات إلى المرتبة الرابعة وهي أسوأ نتيجة يحققها في تاريخه أمام منافسه الحزب الشعبي الذي حقق نتائج قوية يمكن أن تنسيه النكسة التي سببتها له تفجيرات مارس 2006 الإرهابية.
في عز أزمة أكديم ايزيك وفي ذروة الحرب الإعلامية التي شنتها الصحافة الاسبانية على المغرب ، تفتقت عبقرية شخص ما في هذا البلد و أخرجت مسيرة قيل إنها ضمت ثلاثة ملايين شخص ضد حزب سياسي إسباني، ليس إلا الحزب الشعبي المحافظ و التي أريد لها التنديد بمواقفه العدائية ضد المغرب لكنها كانت ومن حيث لا يدري مدبروها أحسن هدية-سلاح- يمكن أن يتلقاها الحزب لمواجهة غريمه الاشتراكي العمالي الحليف والصديق المقرب من المغرب. وعليه فعلى مدبرو المسيرة المليونية الاستعداد من الآن للتعامل مع حكومة يقودها حزب أشهر المغاربة أجمعين كرههم له وترقب ردة فعله لأنه و بالتأكيد سيرد الصاع صاعين.
إجمالا، فإنه إذا كان الحزب الشعبي قد خسر الانتخابات المحلية لفائدة الحزب الشعبي لأسباب عديدة، منها ما هو داخلي و ما هو خارجي، ومن بين تلك الأسباب مواقفه من الصحراء ومن بينها مخيم اكديم ايزيك، فإن تبعات المخيم هنا لم تخلف أية نتائج تذكر باستثناء تنحية والي العيون السابق و حملة اعتقالات واسعة ما لبثت أن تلتها حملة لإطلاق سراح المعتقلين الذين خرجوا بملف حقوقي ضخم و اتهامات بالتعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان ليبقى من خطط و دبر لهكذا وضع بمثل هذه النتائج ضمير مستتر مبني للمجهول تقديره ؟؟؟؟